الأحد، 27 سبتمبر 2009

السعادة .. وجهة نظر

يحزنني كثيراً ، بل ويصل بي - مرات - حد الإحباط أن أسمع ممن حولي عبارات الحزن والأسى وأن قدرهم ونصيبهم و" حظهم" نحس !! فتجدهم لا يتركون مجلساً ولا نادياً ولا اجتماعاً إلا وزفراتهم وتنهيداتهم ترفع من حرارة الجو ، وقصصهم البائسة بظلم الحياة والناس لهم تملأ فضاءات المجالس !! وهؤلاء تجدهم لا يستطيعون أن يتمتعوا بشيء من مباهج الحياة . وتتركهم سنين وأجيال وقرون فتعود لتجدهم كما كانوا يندبون حظهم العاثر !!

السعادة ليست شيئاً نبحث عنه ونجده فيهبنا الفرح مدى الحياة ، بل الفرح رحلة .. رحلة طويلة يغدو المرء سعيداً بارتحالها وقضاء عمره بسنينه وشهوره وأيامه وساعاته ودقائقه وثوانيه فيها ..
ضاقت الدنيا بالناس ، وضاق الناس بالدنيا فلم يعد لهم صبر على العيش فيها ، وأصبح الكل ينتظر الفرج والسعادة !!! ولن يأتي لا فرجٌ ولا سعادة ، لأنهما لا يأتيان أصلاً ، بل يعيشان بداخل الإنسان .. برضاه بما قسم الله له في الدنيا ، وبصبره على ما ابتلاه الله به ..
وبعضهم إن سألته مايسعدك ، أجابك بلا أدري !! وكثيرون يعتقدون أن السعادة في منصب أو حبيبة أو مال أو سيارة .. وهي في جوهرها ليست كذلك ..
بل قد تكون باستمتاع المرء بأكلة يأكلها ..
بطفلٍ يداعبه في الطريق ..
بيتيمٍ يمسح رأسه ..
بمشهد نظرات هرٍّ يترصد لعصفور صغير لينقض عليه ..
بسماعه لألحان حفيف أوراق أشجار الخريف ..
بتخيل أشكال ترسمها السحب ..
بهوايةٍ يمارسها أو يتعلم غيرها كل مدة ..
بتجربة شيء جديد ..
بتطبيقه لحديثٍ أو آية يكررها لسانه ولاتطبقها جوارحه !!
أو حتى استمتاعه باختلائه بنفسه أو بصمته !!

السعادة أن تحوّل كل مابين يديك إلى وسيلة تؤدي لسعادتك ومن حولك ..
السعادة أن تنظر إلى كل مايصيبك بمنظار غير اللون الأسود لترى حكمة الله فيما أصابك .. ولتستمتع بوقوفك على قدميك من جديد نافضاً غبار الحزن وغبار المصيبة ..
السعادة أن تهب السعادة لمن حولك ..
السعادة أن تقتنع بأن السعادة شيء لا تجده ، بل شيء تعيشه ..

اعتراف :
الحقيقة أنني في فترة من فترات حياتي كنت أتعاطف كثيراً وأستمع كثيراً لهذه الفئة من الناس ، وأحاول أن أخفف عنهم وأحتويهم .. أما الآن قلّ ذلك كثيراً ، وصرت أفرّ منهم فراري من الأسد ، لأن بعضهم يحلو له العويل وندب الحظ ويستمتع بالتفاف الناس حوله ومراضاتهم له وتخفيفهم عن همومه الزائفة ؛ خاصة الذين يظنون أنفسهم محور الكون ، فيظنون الكل يتقصدهم بنظراتهم وتلميحاتهم وتصريحاتهم ، بل ويظنون الكون بأسره بدوله وحكوماته وأفراده متآمرون على نحسهم !! فيتقوقعون حول أنفسهم باكين متباكين !! فلا وقت عندي لهؤلاء ..

الإنسان بحاجة لمن يبهجه وينسيه همه ويوسع مداركه ونظرته للدنيا ومباهجها ، وليس بحاجة لمن يزيده هماً ويمطره كآبة طوال الوقت ..
وقد أستمع لشكوى أحدهم ، ولكن لن أقبل بأن أكون "معددة" (على قولة شعب عربي مجاور) أوافق المهموم وأجاريه في كل كلمة .. ولذلك لم أعد أميل كثيراً لمجالس العويل وندب الحظوظ وأصبحت تصيبني بالغم !! والحياة أقصر من أن نقضيها في حزن وكآبة وشكاوى وولولة !!

بالطبع لن ينقضي عمر الإنسان في سعادة دائمة مهما كان متفائلاً وإيجابياً .. ولابد من لحظات حزن على شيء كان .. ولا بد من لحظات همٍّ على شيء قد يكون .. ولابد من لحظات غمٍّ على شيء كائن .. ولكن يجب ألا يكون هذا هو ديدن الإنسان وشخصيته العامة ..

ختاماً .. ادعُ بدعاء رسول الله ، واتخذ بالأسباب (اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن ، والعجز والكسل ، والجبن والبخل ، وضلع الدين ، وغلبة الرجال ) الجامع الصحيح/6369 .

الثلاثاء، 8 سبتمبر 2009

تأملات رمضانية

لاحظت بعض التصرفات الرمضانية من أئمة وخطباء ، ومن عوام الناس ، والتي أجدها لا توافق كتاباً ولا سنة ولا حتى منطقاً !!
فمن بعض المخالفات الصريحة في بعض العبادات ، إلى بعض الخروج عن المنطق ، إلى الاهتمام ببعض المندوب إليه وترك السنة ! وهي ملاحظات متفرقة جمعتها من الملاحظة الشخصية أو من قراءات ومشاهدات متفرقة .

وأول ما أبدأ فيه هو مسألة الدعاء ، وذلك ببعض تصرفات أئمة التراويح أو خطباء الجمع ؛ إلى جانب تصرفات بعض المأمومين !!
وأول مسائل الدعاء هي مسألة رفع الصوت بالدعاء من الأئمة ، ورفع صوت البكاء من الأئمة والمأمومين . والله سبحانه وتعالى يقول في محكم التنزيل : (ادعوا ربكم تضرعاً وخفية إنه لا يحب المعتدين) ؛ إذاً رفع الصوت من التعدي في الدعاء .
ونحن لسنا أفضل من نبي الله زكريا - عليه السلام - ، فقد قال تعالى : (إذ نادى ربه نداء خفياً) . وفي الصحيحين عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال : رفع الناس أصواتهم بالدعاء ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أيها الناس ، اربعوا على أنفسكم ؛ فإنكم لا تدعون أصم ولا غائباً ، إن الذي تدعونه سميع قريب" . وعن بعض السلف قال : يكره رفع الصوت والنداء والصياح في الدعاء !!
وتجنباً للإطالة في سرد الأدلة على مكروهية رفع الصوت بالدعاء والبكاء أكتفي بهذا القدر ..
فأين الأئمة والمأمومين من هذا الخلق النبوي الكريم ؟ فتجدهم يزعجون المصلين بتكلفهم بصياحهم ونياحهم وبكائهم بما يقطع خلوة المصلي بربه وتدبره للدعاء أو القراءة .

ومما يتعلق بمسألة الدعاء ، أن بعض الأدعية غير منطقي على الإطلاق !! بل تخالف شرع الله وسننه الكونية الثابتة التي لا تتغير !! ومن ذاك قول أئمة خطباء الجمعة - في الغالب - الدعاء التالي : اللهم أبرم لأمة الإسلام أمر رشدٍ يُعز فيه أهل طاعتك ، ويُذل فيه أهل معصيتك !!! هل شرع الله هذا الدين ليـُـذل فيه أهل المعصية ولندعو عليهم ، أم لندعوهم بالحكمة والموعظة الحسنة ؟؟؟ فقد ثبت عن كثير من أصحاب رسول الله أنهم أذنبوا ذنوباً وتابوا عنها ، بل بعضهم أذنب كبائر الذنوب كالتولي يوم الزحف ، وتابوا فتاب الله عليهم ، ولم يـُـذلوا . غير أن سنة الله في الكون أن يذنب الناس فيستغفرون ربهم فيغفر لهم . قال - صلى الله عليه وسلم - : "لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ، ولجاء بقوم يذنبون ، فيستغفرون الله ، فيغفر لهم" صحيح مسلم/2749 .

كما أن من الأدعية غير المنطقية ، الدعاء على غير المسلمين بالهلاك والدمار وزلزلة الأرض من تحت أقدامهم وقطع نسلهم .... وهذا دعاء غير منطقي وغير ممكن الحدوث لأنه ببساطة يخالف سنن الله الكونية ببقاء الكفار إلى قيام الساعة وقيام الساعة على شرار الخلق ، وأن غير المسلمين يتآمرون على المسلمين ، وأن اليهود يتبعون الدجال ، وأن حرباً تكون بيننا وبين غيرنا في نهاية الزمان ... إلخ . فكيف ندعو الله بما لن يكون !!! بل مايثير ضحكي وعطفي على الناس (لأنه بحسن نية) أن المأمومين إذا وصل الدعاء إلى هذا الجزء تجدهم يؤمـّـنون (يقولون آمين) بقوة قلب !!! وهذا من جهة أخرى يعتبر تعدي في الدعاء ، لأننا لم نؤمر بالدعاء على كل أهل الكتاب ، بل على المحاربين منهم فقط .. أما النساء والأطفال وغير المحاربين فلم نؤمر بالدعاء عليهم ، بل أمرنا ببرهم والعدل معهم ، قال تعالى : (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم) .. والرسول لم يدعُ على دوس ، بل قال : اللهم اهدِ دوساً وائتِ بهم أجمعين .. ومثل هذا من دعا على كل الدنماركيين بسبب كاريكتير رسمه شخص واحد فقط !!! فكيف يُؤخذ شعب كامل بذنب شخص واحد !! قال تعالى : (ولا تزر وازرة وزر أخرى) .

وآخر مسائل الدعاء التي تحضرني ، هي مسألة إطالة الأئمة في الدعاء ، وخاصة في ليلة السابع والعشرين من رمضان ، مع أنها بالإجماع ليست شرطاً أن تكون ليلة القدر ! فتجد ركعة الوتر بالإضافة لدعائها تصل لساعة أو تزيد .. ماهذا التنطع ؟؟؟ وهل أمرنا رسول الله بذلك ؟؟ إلى جانب التكلف في الدعاء والاهتمام بالسجع أكثر من الاهتمام بمحتوى الدعاء ، وترك أدعية رسول الله الواردة والثابتة والمجملة والمفضلة ، والعدول إلى غيرها من الأدعية المفصلة تفصيلاً سمجاً مطوّلاً مملاً يجعل المأموم يتململ في وقفته ويفقد تركيزه ، ويجعل الدعاء يفقد معناه ..
من أراد أن يطيل فليطـِـل في صلاته المنفردة ولا يفتن الناس . ففي الحديث أن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - كان يصلي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم يأتي قومه فيصلي بهم الصلاة ، فقرأ بهم البقرة ، قال : فتجوز رجل فصلى صلاة خفيفة ، فبلغ ذلك معاذاً فقال : إنه منافق ، فبلغ ذلك الرجل ، فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله ، إنا قوم نعمل بأيدينا ، ونسقي بنواضحنا ، وإن معاذاً صلى بنا البارحة ، فقرأ البقرة ، فتجوزت ، فزعم أني منافق ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( يا معاذ ، أفتان أنت - ثلاثاً - اقرأ : { والشمس وضحاها } . و { سبح اسم ربك الأعلى } ونحوها . البخاري/6106 .
فإذا كانت الصلاة - وهي أولى وآكد من الدعاء - الإطالة فيها تعتبر فتنة ، فكيف بالدعاء !!! ورسول الله لم يكن يطيل سوى في صلاته المنفردة ، ويخفف إذا أمّ القوم .

وساءني كثيراً أحد أئمة المساجد المشهورين بحلاوة وعذوبة الصوت في مدينة جدة ، حين جائته ملاحظة في ورقة أنك تطيل علينا في القيام فلا نكاد نتسحر !! ومثلها ملاحظة أخرى ، أنك تطيل ونحن كبار في السن .. فساءني رده الذي سمعته بنفسي حين قال في مكبرات الصوت على ملأ المسجد : (المساجد كثيرة وبعض الناس يحب الإطالة ، ومن أراد التخفيف فليغير المسجد !!!!)
هو قالها (والشهادة لله) بأدب وبأسلوب مهذب ، ولكن هل هذا رد العارف بالله ، العارف بسنن رسول الله ؟؟ هل لأنني أحب أن أستمع لصوتك ترد عليّ ردّاً جافاً ؟؟ ثم افرض أنني من جيران المسجد ، أو لا أملك سيارة ، فهل تجبرني على البُعد وبجانبي مسجد قريب يرفض إمامه أن يخفف صلاة ليست مفروضة !!!!

وسؤال يسأله الناس لبعضهم في رمضان ، وهو سؤال ليس مخالفة بقدر ماهو ترك لما هو أولى ، ألا وهو : كم قرأت ؟ كم ختمت ؟ كم ختمة ناوي تختم ؟؟ وين وصلت ؟؟
يقول ابن مسعود - رضي الله عنه - : لا يكن همّ أحدكم آخر السورة .
ورسول الهدى - صلوات ربي وسلامه عليه - كان يدارسه جبريل - عليه سلام - القرآن مرة واحدة في رمضان ، إلا سنة وفاته دارسه مرتين .... هل تعلمون ماذا يعني يدارسه القرآن ؟؟؟ يعني بتدبر وتفكر وقراءة ومراجعة ووقوف على المعاني وخلافه ، وهذا مالا نفعله نحن بقراءتنا المتعجلة بلا تدبر ولا تفكر .. أفنحن أهدى من رسول الله فنختم أكثر من ختمة في رمضان ؟؟؟ ومافائدة الختمة إن كانت بلا تدبر ؟؟ ومافائدة القراءة إن لم تؤثر فينا وتقر في قلوبنا ؟؟

ومن المستغرب أن تجد الشخص يحرص على صلاة التراويح جماعة بينما الصلاة المفروضة يصليها في البيت !! ولن أتحدث عن الذين ينامون عن الصلوات أصلاً ولا يقضونها كذلك !

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ..
وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ..
إن أخطأت فمن نفسي والشيطان ، وإن أصبت فمن الله وحده ..