الأربعاء، 7 أكتوبر 2009

حتى التميس !!!

ننظر للواسطة على أنها شيء سيء أعاق تقدم البلد ، وعطل الكثير من مصالحنا ، ونطالب دوماً بتدخل حكومي أو ملكي لمنع الواسطة أو على الأقل تخفيف انتشارها السرطاني في كل أنواع المعاملات !!
ولكن الحقيقة أن الواسطة مبدأ إسلامي إيجابي ، يحث على التكافل والرحمة وتذكر المطحونين من الناس الذين لا يعرفون الواسطة ولا يسألون الناس إلحافاً ، وبالتالي تؤثر على العلاقات الإنسانية إيجابياً . بل إننا لن نبدأ الحساب يوم القيامة إلا بعد أن نتوسط عند الأنبياء ليدعوا الله أن يحاسبنا ويريحنا من الوقوف الطويل !!

نحن الذين أسأنا استخدام الواسطة حتى حولناها لشكلها البشع الآن . ففي الوقت الذي نطالب فيه بالقضاء عليها ، تجدنا عند قضاء أي مصلحة نتواصل مع معارفنا لنحصل على واسطة تسهل الأمور وتسرعها وتقلل تكلفتها وعناءها !! بل ولا نتورع عن الاتصال بأناس لم نتواصل معهم من سنين عجاف لمجرد تذكرنا أنهم قد ينفعوننا الآن .. وهذا من أسوأ ما أنتجته الواسطة من العلاقات الإنسانية المصلحجية !! فهو يعني أن العلاقات الاجتماعية ليس لها دور سوى الواسطة و "معرفة الناس كنوز" (مادية مو معنوية أو معرفية) ، ويعني أيضاً ان الواسطة حلال علينا وحرام على غيرنا !!!

رسول الله موسى - عليه السلام - توسط لأخيه هارون - عليه السلام - ليصبح رسولاً .. قال الله تعالى : (هارون أخي * اشدد به أزري * وأشركه في أمري) قال المفسرون : أي أشركه في أمر النبوة والرسالة .. فأي واسطة أعظم من هذه الواسطة !!!!
ولكن ما حدى بنا إلى هذه المأساة في الواسطة هو أننا ندخلها في كل أمور حياتنا ، ونجعلها شماعة نلقي عليها جميع عقباتنا وفشلنا وعدم وصولنا إن لم نملكها ، ونجعلها أداة النصر إن ملكناها ، ونسينا أننا لو توكلنا على الله حق توكله لرزقنا كما يرزق الطير ..

لا أطالب بإلغاء الواسطة ، ولكن أطالب بتقنينها ، وأطالب كل ذي منصب بأن يتقي الله قدر ما يستطيع فيما تحت يديه من صلاحيات ، وأطالبه بأن يقبل الواسطة فيما يستحق أن يقبله ، ويرفضها فيما لا يستحق .. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا ، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة . ومن يسر على معسر ، يسر الله عليه في الدنيا والآخرة . ومن ستر مسلماً ، ستره الله في الدنيا والآخرة . والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه) مقدمة الصحيح/2699 .

ومن يقول بأن الدول المتقدمة لا واسطة فيها كاذب أو جاهل . فهي موجودة في كل بلد وفي كل عصر ، ولكنهم أحسنوا استخدامها وأسأنا استخدامها .. فهم و إن أساءوا استخدامها فعلى نطاق ضيق لا يضر بمصلحة بلادهم ، بعكسنا ، وقد تشربنا أصول الواسطة منذ صغرنا ، فأصبحنا نبحث عنها قبل حتى أن ندعو الله أن ييسر لنا !! ونبحث عن الواسطة في كل شيء حتى في صف التميس !!!

ابحث عن واسطة إن كنت تعرف ، وتوسط لغيرك إن كنت تقدر ، ولكن لا تبطل حقاً أو تحق باطلاً بواسطتك فتؤذي الناس .. قال الله تعالى : (من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها) .. وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أتاه السائل ، وربما قال : جاءه السائل أو صاحب الحاجة ، قال : ( اشفعوا فلتؤجروا ، ويقضي الله على لسان رسوله ما شاء) الجامع الصحيح/7476 .

أما نصيحتي لمن لا يستطيع الوقوف في وجه الواسطة لضعف منصبه ، أو لطيب قلبه ، أو لأنه لا يرد أحداً ، أو لأنه يملك قبيلة كبيرة أو لأي سبب آخر ، هي : ليس شرطاً ان ترد كل الواسطات ، ولكن بالتأكيد ليس كل الواسطات تستحق القبول !! وكلنا يستطيع التمييز ويستطيع أن يمسك العصا من منتصفها ..