الأربعاء، 11 نوفمبر 2009

الأعذار والاعتذار

"لا تتأسف"
"أنا أصلاً ما أزعل منك"
"أنا مو قصدي أخليك تعتذر"
"مافي داعي للاعتذار"

أمثال هذه العبارات نقولها أو نسمعها عندما تكون هناك مشاحنات في العلاقات المقربة . ولا أدري حقيقة هل هذه العبارات صادرة من قلب وبمعناها الذي تقوله حروفها ، أم أنها عبارات من باب المبالغة فقط لا غير !
هل أثناء ارتفاع أصواتنا مع مقربينا لا نهدف فعلاً إلى تبرئة أنفسنا ، وإلقاء اللائمة عليهم ؟؟
وهل لا نغضب فعلاً إذا ما أساء الآخر إلينا ؟؟
أو حتى لو لم يسئ إلينا وأسأنا نحن الفهم ؟؟
هل نحن حقيقة لسنا بحاجة إلى الاعتذار ؟؟

أغلب الظن أننا نبالغ ولا نعبر فعلاً عما نشعر به ! فمن منا ليس بحاجة للاعتذار ؟؟ ومن منا لم يسأل نفسه إذا لم يعتذر الآخر "ليش ما يعتذر ؟" أو "يعني أنا مالي قدر عنده عشان يعتذر ؟" أو "كيف يكلمني وكأن ما صار شي وبدون مايعتذر ؟"

الاعتذار يصفي النفوس ويذهب غيظ القلوب ويثبت للآخر مقدار محبتك واحترامك له . وقد يغني قليل من التوضيح بعد هدوء العاصفة عن اعتذار ثقيل متأخر .
والمعتذر شخص شجاع ، يكسب بشجاعته قلوب أعداءه قبل قلوب أصدقاءه . وليس أبخل ولا أجفى ممن يبخل بمشاعره ويجفى مقربيه عن اعتذار أو توضيح لما صدر منه . فتجده لنفسه بارعاً في اختلاق الأعذار ، بخيلاً في الاعتذار !

إذا أخطأت فاعترف بخطأك ، دون أن تبرر نفسك للآخر أثناء الاعتراف والاعتذار . فليس أسوأ من أن تشرك الآخر في خطأك وتشعره أنه لولا أنه قال كذا أو فعل كذا لما بدر منك ماكان ! اعترف بتقصيرك وخطأك وأنت تعنيه وأنت تنظر في العينين مباشرة ، حتى يشعر الآخر بصدق مشاعرك .

وإذا أساء أحدهم إليك فالتمس له العذر على قدر طاقتك ، وعلى قدر معرفتك به . فإن وجدت الحق معك فعبر للآخر عما يدور في خلدك وعن مشاعرك السالبة ، ولا تنكر استيائك إذا ما حاول سؤالك عما بك ، فإنه لم يسألك إلا لاهتمام بك .
ولكن ليحذر المعتذر من محاصرة الآخر بالسؤال ، فبعضهم يهدأ من تلقاء نفسه ، ويحتاج مساحة ووقتاً لهذا الهدوء . وبعضهم يخجل من التصريح باستيائه لتفاهة السبب ، أو لكثرة تكراره ، أو أنه لا يريد أن يشعر الآخر بأنه يغضب من أتفه الأسباب ، أو لأي سبب آخر .

إذا وجدت نفسك قادراً على الاعتذار والاعتراف ، فاعرف أنك شجاع . وإن وجدت نفسك تختلق الأعذار ، ويحول كبرياؤك دونك والاعتراف والاعتذار ، فاعرف أن بك نزعة من غرور ، أو أن الآخر لا يعني لك الكثير !!

همسة للقلوب الرقيقة: أرقى أنواع الاعتذار ، هو ما كان لخالقك ، على ما بدر منك من تقصير أو سوء أدب أو استغلال لإمهاله لك بتجرؤك على محارمه .
أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه .

الأربعاء، 7 أكتوبر 2009

حتى التميس !!!

ننظر للواسطة على أنها شيء سيء أعاق تقدم البلد ، وعطل الكثير من مصالحنا ، ونطالب دوماً بتدخل حكومي أو ملكي لمنع الواسطة أو على الأقل تخفيف انتشارها السرطاني في كل أنواع المعاملات !!
ولكن الحقيقة أن الواسطة مبدأ إسلامي إيجابي ، يحث على التكافل والرحمة وتذكر المطحونين من الناس الذين لا يعرفون الواسطة ولا يسألون الناس إلحافاً ، وبالتالي تؤثر على العلاقات الإنسانية إيجابياً . بل إننا لن نبدأ الحساب يوم القيامة إلا بعد أن نتوسط عند الأنبياء ليدعوا الله أن يحاسبنا ويريحنا من الوقوف الطويل !!

نحن الذين أسأنا استخدام الواسطة حتى حولناها لشكلها البشع الآن . ففي الوقت الذي نطالب فيه بالقضاء عليها ، تجدنا عند قضاء أي مصلحة نتواصل مع معارفنا لنحصل على واسطة تسهل الأمور وتسرعها وتقلل تكلفتها وعناءها !! بل ولا نتورع عن الاتصال بأناس لم نتواصل معهم من سنين عجاف لمجرد تذكرنا أنهم قد ينفعوننا الآن .. وهذا من أسوأ ما أنتجته الواسطة من العلاقات الإنسانية المصلحجية !! فهو يعني أن العلاقات الاجتماعية ليس لها دور سوى الواسطة و "معرفة الناس كنوز" (مادية مو معنوية أو معرفية) ، ويعني أيضاً ان الواسطة حلال علينا وحرام على غيرنا !!!

رسول الله موسى - عليه السلام - توسط لأخيه هارون - عليه السلام - ليصبح رسولاً .. قال الله تعالى : (هارون أخي * اشدد به أزري * وأشركه في أمري) قال المفسرون : أي أشركه في أمر النبوة والرسالة .. فأي واسطة أعظم من هذه الواسطة !!!!
ولكن ما حدى بنا إلى هذه المأساة في الواسطة هو أننا ندخلها في كل أمور حياتنا ، ونجعلها شماعة نلقي عليها جميع عقباتنا وفشلنا وعدم وصولنا إن لم نملكها ، ونجعلها أداة النصر إن ملكناها ، ونسينا أننا لو توكلنا على الله حق توكله لرزقنا كما يرزق الطير ..

لا أطالب بإلغاء الواسطة ، ولكن أطالب بتقنينها ، وأطالب كل ذي منصب بأن يتقي الله قدر ما يستطيع فيما تحت يديه من صلاحيات ، وأطالبه بأن يقبل الواسطة فيما يستحق أن يقبله ، ويرفضها فيما لا يستحق .. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا ، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة . ومن يسر على معسر ، يسر الله عليه في الدنيا والآخرة . ومن ستر مسلماً ، ستره الله في الدنيا والآخرة . والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه) مقدمة الصحيح/2699 .

ومن يقول بأن الدول المتقدمة لا واسطة فيها كاذب أو جاهل . فهي موجودة في كل بلد وفي كل عصر ، ولكنهم أحسنوا استخدامها وأسأنا استخدامها .. فهم و إن أساءوا استخدامها فعلى نطاق ضيق لا يضر بمصلحة بلادهم ، بعكسنا ، وقد تشربنا أصول الواسطة منذ صغرنا ، فأصبحنا نبحث عنها قبل حتى أن ندعو الله أن ييسر لنا !! ونبحث عن الواسطة في كل شيء حتى في صف التميس !!!

ابحث عن واسطة إن كنت تعرف ، وتوسط لغيرك إن كنت تقدر ، ولكن لا تبطل حقاً أو تحق باطلاً بواسطتك فتؤذي الناس .. قال الله تعالى : (من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها) .. وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أتاه السائل ، وربما قال : جاءه السائل أو صاحب الحاجة ، قال : ( اشفعوا فلتؤجروا ، ويقضي الله على لسان رسوله ما شاء) الجامع الصحيح/7476 .

أما نصيحتي لمن لا يستطيع الوقوف في وجه الواسطة لضعف منصبه ، أو لطيب قلبه ، أو لأنه لا يرد أحداً ، أو لأنه يملك قبيلة كبيرة أو لأي سبب آخر ، هي : ليس شرطاً ان ترد كل الواسطات ، ولكن بالتأكيد ليس كل الواسطات تستحق القبول !! وكلنا يستطيع التمييز ويستطيع أن يمسك العصا من منتصفها ..

الأحد، 27 سبتمبر 2009

السعادة .. وجهة نظر

يحزنني كثيراً ، بل ويصل بي - مرات - حد الإحباط أن أسمع ممن حولي عبارات الحزن والأسى وأن قدرهم ونصيبهم و" حظهم" نحس !! فتجدهم لا يتركون مجلساً ولا نادياً ولا اجتماعاً إلا وزفراتهم وتنهيداتهم ترفع من حرارة الجو ، وقصصهم البائسة بظلم الحياة والناس لهم تملأ فضاءات المجالس !! وهؤلاء تجدهم لا يستطيعون أن يتمتعوا بشيء من مباهج الحياة . وتتركهم سنين وأجيال وقرون فتعود لتجدهم كما كانوا يندبون حظهم العاثر !!

السعادة ليست شيئاً نبحث عنه ونجده فيهبنا الفرح مدى الحياة ، بل الفرح رحلة .. رحلة طويلة يغدو المرء سعيداً بارتحالها وقضاء عمره بسنينه وشهوره وأيامه وساعاته ودقائقه وثوانيه فيها ..
ضاقت الدنيا بالناس ، وضاق الناس بالدنيا فلم يعد لهم صبر على العيش فيها ، وأصبح الكل ينتظر الفرج والسعادة !!! ولن يأتي لا فرجٌ ولا سعادة ، لأنهما لا يأتيان أصلاً ، بل يعيشان بداخل الإنسان .. برضاه بما قسم الله له في الدنيا ، وبصبره على ما ابتلاه الله به ..
وبعضهم إن سألته مايسعدك ، أجابك بلا أدري !! وكثيرون يعتقدون أن السعادة في منصب أو حبيبة أو مال أو سيارة .. وهي في جوهرها ليست كذلك ..
بل قد تكون باستمتاع المرء بأكلة يأكلها ..
بطفلٍ يداعبه في الطريق ..
بيتيمٍ يمسح رأسه ..
بمشهد نظرات هرٍّ يترصد لعصفور صغير لينقض عليه ..
بسماعه لألحان حفيف أوراق أشجار الخريف ..
بتخيل أشكال ترسمها السحب ..
بهوايةٍ يمارسها أو يتعلم غيرها كل مدة ..
بتجربة شيء جديد ..
بتطبيقه لحديثٍ أو آية يكررها لسانه ولاتطبقها جوارحه !!
أو حتى استمتاعه باختلائه بنفسه أو بصمته !!

السعادة أن تحوّل كل مابين يديك إلى وسيلة تؤدي لسعادتك ومن حولك ..
السعادة أن تنظر إلى كل مايصيبك بمنظار غير اللون الأسود لترى حكمة الله فيما أصابك .. ولتستمتع بوقوفك على قدميك من جديد نافضاً غبار الحزن وغبار المصيبة ..
السعادة أن تهب السعادة لمن حولك ..
السعادة أن تقتنع بأن السعادة شيء لا تجده ، بل شيء تعيشه ..

اعتراف :
الحقيقة أنني في فترة من فترات حياتي كنت أتعاطف كثيراً وأستمع كثيراً لهذه الفئة من الناس ، وأحاول أن أخفف عنهم وأحتويهم .. أما الآن قلّ ذلك كثيراً ، وصرت أفرّ منهم فراري من الأسد ، لأن بعضهم يحلو له العويل وندب الحظ ويستمتع بالتفاف الناس حوله ومراضاتهم له وتخفيفهم عن همومه الزائفة ؛ خاصة الذين يظنون أنفسهم محور الكون ، فيظنون الكل يتقصدهم بنظراتهم وتلميحاتهم وتصريحاتهم ، بل ويظنون الكون بأسره بدوله وحكوماته وأفراده متآمرون على نحسهم !! فيتقوقعون حول أنفسهم باكين متباكين !! فلا وقت عندي لهؤلاء ..

الإنسان بحاجة لمن يبهجه وينسيه همه ويوسع مداركه ونظرته للدنيا ومباهجها ، وليس بحاجة لمن يزيده هماً ويمطره كآبة طوال الوقت ..
وقد أستمع لشكوى أحدهم ، ولكن لن أقبل بأن أكون "معددة" (على قولة شعب عربي مجاور) أوافق المهموم وأجاريه في كل كلمة .. ولذلك لم أعد أميل كثيراً لمجالس العويل وندب الحظوظ وأصبحت تصيبني بالغم !! والحياة أقصر من أن نقضيها في حزن وكآبة وشكاوى وولولة !!

بالطبع لن ينقضي عمر الإنسان في سعادة دائمة مهما كان متفائلاً وإيجابياً .. ولابد من لحظات حزن على شيء كان .. ولا بد من لحظات همٍّ على شيء قد يكون .. ولابد من لحظات غمٍّ على شيء كائن .. ولكن يجب ألا يكون هذا هو ديدن الإنسان وشخصيته العامة ..

ختاماً .. ادعُ بدعاء رسول الله ، واتخذ بالأسباب (اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن ، والعجز والكسل ، والجبن والبخل ، وضلع الدين ، وغلبة الرجال ) الجامع الصحيح/6369 .

الثلاثاء، 8 سبتمبر 2009

تأملات رمضانية

لاحظت بعض التصرفات الرمضانية من أئمة وخطباء ، ومن عوام الناس ، والتي أجدها لا توافق كتاباً ولا سنة ولا حتى منطقاً !!
فمن بعض المخالفات الصريحة في بعض العبادات ، إلى بعض الخروج عن المنطق ، إلى الاهتمام ببعض المندوب إليه وترك السنة ! وهي ملاحظات متفرقة جمعتها من الملاحظة الشخصية أو من قراءات ومشاهدات متفرقة .

وأول ما أبدأ فيه هو مسألة الدعاء ، وذلك ببعض تصرفات أئمة التراويح أو خطباء الجمع ؛ إلى جانب تصرفات بعض المأمومين !!
وأول مسائل الدعاء هي مسألة رفع الصوت بالدعاء من الأئمة ، ورفع صوت البكاء من الأئمة والمأمومين . والله سبحانه وتعالى يقول في محكم التنزيل : (ادعوا ربكم تضرعاً وخفية إنه لا يحب المعتدين) ؛ إذاً رفع الصوت من التعدي في الدعاء .
ونحن لسنا أفضل من نبي الله زكريا - عليه السلام - ، فقد قال تعالى : (إذ نادى ربه نداء خفياً) . وفي الصحيحين عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال : رفع الناس أصواتهم بالدعاء ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أيها الناس ، اربعوا على أنفسكم ؛ فإنكم لا تدعون أصم ولا غائباً ، إن الذي تدعونه سميع قريب" . وعن بعض السلف قال : يكره رفع الصوت والنداء والصياح في الدعاء !!
وتجنباً للإطالة في سرد الأدلة على مكروهية رفع الصوت بالدعاء والبكاء أكتفي بهذا القدر ..
فأين الأئمة والمأمومين من هذا الخلق النبوي الكريم ؟ فتجدهم يزعجون المصلين بتكلفهم بصياحهم ونياحهم وبكائهم بما يقطع خلوة المصلي بربه وتدبره للدعاء أو القراءة .

ومما يتعلق بمسألة الدعاء ، أن بعض الأدعية غير منطقي على الإطلاق !! بل تخالف شرع الله وسننه الكونية الثابتة التي لا تتغير !! ومن ذاك قول أئمة خطباء الجمعة - في الغالب - الدعاء التالي : اللهم أبرم لأمة الإسلام أمر رشدٍ يُعز فيه أهل طاعتك ، ويُذل فيه أهل معصيتك !!! هل شرع الله هذا الدين ليـُـذل فيه أهل المعصية ولندعو عليهم ، أم لندعوهم بالحكمة والموعظة الحسنة ؟؟؟ فقد ثبت عن كثير من أصحاب رسول الله أنهم أذنبوا ذنوباً وتابوا عنها ، بل بعضهم أذنب كبائر الذنوب كالتولي يوم الزحف ، وتابوا فتاب الله عليهم ، ولم يـُـذلوا . غير أن سنة الله في الكون أن يذنب الناس فيستغفرون ربهم فيغفر لهم . قال - صلى الله عليه وسلم - : "لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ، ولجاء بقوم يذنبون ، فيستغفرون الله ، فيغفر لهم" صحيح مسلم/2749 .

كما أن من الأدعية غير المنطقية ، الدعاء على غير المسلمين بالهلاك والدمار وزلزلة الأرض من تحت أقدامهم وقطع نسلهم .... وهذا دعاء غير منطقي وغير ممكن الحدوث لأنه ببساطة يخالف سنن الله الكونية ببقاء الكفار إلى قيام الساعة وقيام الساعة على شرار الخلق ، وأن غير المسلمين يتآمرون على المسلمين ، وأن اليهود يتبعون الدجال ، وأن حرباً تكون بيننا وبين غيرنا في نهاية الزمان ... إلخ . فكيف ندعو الله بما لن يكون !!! بل مايثير ضحكي وعطفي على الناس (لأنه بحسن نية) أن المأمومين إذا وصل الدعاء إلى هذا الجزء تجدهم يؤمـّـنون (يقولون آمين) بقوة قلب !!! وهذا من جهة أخرى يعتبر تعدي في الدعاء ، لأننا لم نؤمر بالدعاء على كل أهل الكتاب ، بل على المحاربين منهم فقط .. أما النساء والأطفال وغير المحاربين فلم نؤمر بالدعاء عليهم ، بل أمرنا ببرهم والعدل معهم ، قال تعالى : (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم) .. والرسول لم يدعُ على دوس ، بل قال : اللهم اهدِ دوساً وائتِ بهم أجمعين .. ومثل هذا من دعا على كل الدنماركيين بسبب كاريكتير رسمه شخص واحد فقط !!! فكيف يُؤخذ شعب كامل بذنب شخص واحد !! قال تعالى : (ولا تزر وازرة وزر أخرى) .

وآخر مسائل الدعاء التي تحضرني ، هي مسألة إطالة الأئمة في الدعاء ، وخاصة في ليلة السابع والعشرين من رمضان ، مع أنها بالإجماع ليست شرطاً أن تكون ليلة القدر ! فتجد ركعة الوتر بالإضافة لدعائها تصل لساعة أو تزيد .. ماهذا التنطع ؟؟؟ وهل أمرنا رسول الله بذلك ؟؟ إلى جانب التكلف في الدعاء والاهتمام بالسجع أكثر من الاهتمام بمحتوى الدعاء ، وترك أدعية رسول الله الواردة والثابتة والمجملة والمفضلة ، والعدول إلى غيرها من الأدعية المفصلة تفصيلاً سمجاً مطوّلاً مملاً يجعل المأموم يتململ في وقفته ويفقد تركيزه ، ويجعل الدعاء يفقد معناه ..
من أراد أن يطيل فليطـِـل في صلاته المنفردة ولا يفتن الناس . ففي الحديث أن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - كان يصلي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم يأتي قومه فيصلي بهم الصلاة ، فقرأ بهم البقرة ، قال : فتجوز رجل فصلى صلاة خفيفة ، فبلغ ذلك معاذاً فقال : إنه منافق ، فبلغ ذلك الرجل ، فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله ، إنا قوم نعمل بأيدينا ، ونسقي بنواضحنا ، وإن معاذاً صلى بنا البارحة ، فقرأ البقرة ، فتجوزت ، فزعم أني منافق ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( يا معاذ ، أفتان أنت - ثلاثاً - اقرأ : { والشمس وضحاها } . و { سبح اسم ربك الأعلى } ونحوها . البخاري/6106 .
فإذا كانت الصلاة - وهي أولى وآكد من الدعاء - الإطالة فيها تعتبر فتنة ، فكيف بالدعاء !!! ورسول الله لم يكن يطيل سوى في صلاته المنفردة ، ويخفف إذا أمّ القوم .

وساءني كثيراً أحد أئمة المساجد المشهورين بحلاوة وعذوبة الصوت في مدينة جدة ، حين جائته ملاحظة في ورقة أنك تطيل علينا في القيام فلا نكاد نتسحر !! ومثلها ملاحظة أخرى ، أنك تطيل ونحن كبار في السن .. فساءني رده الذي سمعته بنفسي حين قال في مكبرات الصوت على ملأ المسجد : (المساجد كثيرة وبعض الناس يحب الإطالة ، ومن أراد التخفيف فليغير المسجد !!!!)
هو قالها (والشهادة لله) بأدب وبأسلوب مهذب ، ولكن هل هذا رد العارف بالله ، العارف بسنن رسول الله ؟؟ هل لأنني أحب أن أستمع لصوتك ترد عليّ ردّاً جافاً ؟؟ ثم افرض أنني من جيران المسجد ، أو لا أملك سيارة ، فهل تجبرني على البُعد وبجانبي مسجد قريب يرفض إمامه أن يخفف صلاة ليست مفروضة !!!!

وسؤال يسأله الناس لبعضهم في رمضان ، وهو سؤال ليس مخالفة بقدر ماهو ترك لما هو أولى ، ألا وهو : كم قرأت ؟ كم ختمت ؟ كم ختمة ناوي تختم ؟؟ وين وصلت ؟؟
يقول ابن مسعود - رضي الله عنه - : لا يكن همّ أحدكم آخر السورة .
ورسول الهدى - صلوات ربي وسلامه عليه - كان يدارسه جبريل - عليه سلام - القرآن مرة واحدة في رمضان ، إلا سنة وفاته دارسه مرتين .... هل تعلمون ماذا يعني يدارسه القرآن ؟؟؟ يعني بتدبر وتفكر وقراءة ومراجعة ووقوف على المعاني وخلافه ، وهذا مالا نفعله نحن بقراءتنا المتعجلة بلا تدبر ولا تفكر .. أفنحن أهدى من رسول الله فنختم أكثر من ختمة في رمضان ؟؟؟ ومافائدة الختمة إن كانت بلا تدبر ؟؟ ومافائدة القراءة إن لم تؤثر فينا وتقر في قلوبنا ؟؟

ومن المستغرب أن تجد الشخص يحرص على صلاة التراويح جماعة بينما الصلاة المفروضة يصليها في البيت !! ولن أتحدث عن الذين ينامون عن الصلوات أصلاً ولا يقضونها كذلك !

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ..
وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ..
إن أخطأت فمن نفسي والشيطان ، وإن أصبت فمن الله وحده ..

الأحد، 30 أغسطس 2009

فوضى وفضاوة

في خبر أثار استغرابي في صحيفة محلية أن عدداً من سكان حي الشرائع بمنطقة مكة المكرمة ، يقيمون دعاوى قضائية فردية وجماعية بالتوكيل الشرعي ضد الفنان فايز المالكي !
وجاء في ثنايا الخبر أن سبب الدعوى هو أن "فايز" في مسلسله "بيني وبينك" ذكر منطقة الشرائع بأنها منطقة مخدرات ، مما ساهم في خفض أسعار العقار وعزوف الناس عن هذه المنطقة !!
بغضّ النظر عن صدق هذه الحيثيات من عدمها ، فلن أتحدث عنها . بل سأتحدث عن موضة الدعاوى القضائية الجماعية والتي تذكرني بالمجاهر بمعاصيه و ردة الفعل الشعبية بالدعاوى الجماعية ضده . وحديثي سيكون عن شرعية هذه الدعاوى وقانونيتها .

ففي نظام المرافعات الشرعية الصادر بالمرسوم الملكي ذي الرقم م/21 في 20/5/1421هـ ، في مادته الخامسة للاحتساب في إقامة الدعاوى ، أن الجهات القضائية ملزمة بقبول الدعوى من ثلاثة من المواطنين - على الأقل - في كل مافيه مصلحة عامة ، شريطة ألا يكون في البلد جهة رسمية مسؤولة عن تلك المصلحة . وفي تفسير اللائحة التنفيذية لذات النظام في تفسير "المصلحة العامة" بأنه ما يتعلق بمنفعة البلد ، كما أن المواطنون الثلاثة يجب أن يكونوا من الأعيان وليس من العامة !
والمادة الثامنة من نظام الإجراءات الجزائية الصادر بالمرسوم الملكي ذي الرقم م/39 في 28/7/1422هـ ، نجد النظام قد أعطى "هيئة التحقيق والادعاء العام" حق رفع الدعوى الجزائية بمواجهة المتهمين متى ما رأت الهيئة بأن في ذلك مصلحة عامة . كما أعطى للهيئة حق التحقيق في الجريمة وإعداد قرار الاتهام ولائحة الدعوى العامة ، وإحالتها إلى الجهة القضائية المختصة للفصل فيها وفقاً لقواعد الشرع وأحكام النظام . (نظام شحليله واضح وصريح)

الآن لنفرض أن المصلحة العامة ومنفعة البلد (كما ينص النظام) تقول بمقاضاة المجاهر بمعاصيه وفايز المالكي ، فإن هذا لا يعني قبول الدعوى أمام الجهة القضائية (سواء كانوا مواطنين أو أعيان) مادام أن هناك جهة رسمية (وهي هيئة التحقيق والادعاء العام) مختصة بإقامة هذه الدعوى ودراسة حيثياتها ، وتقدير مافيه المصلحة العامة من عدمه لإنتفاء الصفة القانونية لغير الجهة المعنية . كما أن قبول الجهات القضائية لهذه الدعاوى واتخاذ إجراءات قضائية ونظامية وشرعية بشأنها ، يعد خرقاً للنظام العدلي الذي نظم طريقة التعامل مع هذا النوع من الدعاوى .
وبناءً عليه لا يجوز إقامة الدعوى - ولو من هيئة التحقيق والادعاء العام - بناءً على تذمر المواطنين ، كما لا يجوز لذات الهيئة مباشرة القضية بناءً على توجيه إداري أقل من التوجيه السامي .

يعني بالبلدي الفصيح :
1- لا يحق للمواطنين ولا الأعيان رفع دعوى قضائية ضد أحد في ما يخص المصلحة العامة .
2- هيئة التحقيق والادعاء العام هي الجهة الوحيدة المخولة بذلك ، بناءً على توجيه سام ٍ .
3- لا يحق للجهات القضائية قبول مثل هذه الدعاوى ما لم تصدر من الجهة المعنية .

الآن وبعد هذا الاستعراض القانوني السريع ، أين دور هيئة التحقيق والادعاء العام في رفع دعوى ضد المذكورين إذا كانت مصلحة البلد العامة تقتضي ذلك ؟ وإذا لم تكن مصلحة البلد تقتضي ذلك فبأي صفة قبلت دعاوى المواطنين مع أن صفتهم القانونية لا تتطابق و شروط إقامة الدعوى ؟
وعلى الجانب الآخر ، أين دور المواطنين من رفع دعاوى أمام محكمة العدل الدولية عن ما يحدث في فلسطين والعراق ونيجيريا والسودان ، وخاصة الدنمارك ؟ هل هي فضاوة المواطنين ، أم هي بسبب غموض النظام ، أم هي عاطفة المواطنين المشوبة بجهلهم بحقوقهم وواجباتهم ومايجيزه لهم النظام وما ليس له صفة قانونية للأفراد ، أم أن غضب المواطنين المكبوت صار يترجم بأي صورة ولو كانت صورة غير صحيحة (يطلعون حرتهم بأي شي بدون تفكير وبعاطفة غير موجهة !!) ؟؟؟
هل يجب عليّ أن أنتظر أحدهم ليخرج في مسلسل تلفزيوني هزيل أو برنامج لبناني حقير ليقول ما يقول لتثور ثائرتي وأرفع دعوى ؟ ألا أستطيع والحال هكذا أن أرفع دعوى ضد أي مارق مأفون يجاهر بمعاصيه أو يتكلم بسوء على الحي الذي ترعرعت فيه ؟ ألا أستطيع أن أقيم دعوى ضد كل مستغل لمنصبه وكل مختلس وكل مقترض من البنوك بالربا وكل من شترى ألبوم شيرين الجديد وكل من يقطع إشارة حمراء وهو يصرح بذلك غير خائف من العقوبة ؟؟؟؟ أليسوا كلهم مجاهرين ؟؟؟؟ بتصير الشغلة لعبة .. وكل واحد بيرفع دعوى ع الثاني .. واستقبلي يامحاكم !!! قمة السخافة والفوضى والفضاوة !
يارب ما يسجنون ناصر القصبي بتهمة تقليد أهل مكة والأحساء والرياض والحضارم والمصريين وتشويه سمعتهم ، حيسجنوه مدى الحياة !
___________
المادة القانونية : مقتبسة بتصرف من مقال للأستاذ يحيى الشهراني (محامي سعودي)

السبت، 29 أغسطس 2009

الخلاف بسبب الاختلاف

من أهم الثقافات التي فرطنا و أفرطنا في تعاطيها ، هما ثقافتي الاختلاف والتصنيف .. ففرطنا في ثقافة الاختلاف ، وأفرطنا في ثقافة التصنيف ..
وللتوضيح أكثر ، فإننا نفرط في تصنيفنا للآخرين على جميع الأصعدة وخاصة على الصعيد الفكري والمذهبي .. والعرقي وغيره لهم نصيب ..
وهذا الداء المنتشر فينا يطال كل المجددين في أمور دنيانا وديننا .. فتجدنا لا نسمع ولا نعي ما يقولون ، ولا نهتم بما لديهم من علم وسعة أفق ، بقدر ما نهتم بتصنيفهم : هذا علماني ، هذا ليبرالي ، هذا سلفي ، هذا مستشرق ... إلخ من التصنيفات العجيبة التي لا تقدم ولا تؤخر . وهذا الاتجاه أدى بنا إلى تعطيل عجلة الحياة كثيراً وتعطيل تطويرنا لذواتنا ولطريقة معيشتنا لأن بعضنا لا يتبع بعضاً مادام قائد الفكرة أو قائد الاتجاه ليس على مذهبه أو فكره ، حتى ولو كانت الفكرة أو الاتجاه لا تخالف شرعاً ولا ملة !!!

وعلى سبيل المثال لا الحصر ، تصنيف الأستاذ أحمد الشقيري - بكل ما يقدمه - على أنه علماني !!! فتجد معارضيه لا ينظرون لما أجاد فيه وأثبته من صحيح الكتاب والسنة وأقره عليه علماء أجلاء ، بل ينظرون لسقطاته وهفواته ، ويصرون أنه مادام قد أخطأ في قول أو فكرة فإنه يجب رفضه كلياً ، و رفض كل ما يقوله !! وهذا تعطيل لكثير من الأمور الجديدة والأفكار اللامعة التي لا تخالف شرعنا ولا عاداتنا !! ومثله الأستاذ عمرو خالد ، وغيرهما ..

وعلى الجانب الآخر ، تجدنا فرطنا في ثقافة الاختلاف فلم نعمل بها ، بل ولا نعرفها أصلاً ! فلا نستطيع أن نتقبل اختلافاتنا الفردية والجماعية والمذهبية والفكرية ، ولا نفهم أن لكل شخص ميوله واعتقاده وفكره المختلف عن الآخرين . بل إن الأخوين في بيت واحد بتربية واحدة لهما تفكيران مختلفان يعتنقانهما . نسينا أن الاختلاف رحمة ، وأن الصحابة والتابعين وأئمة المذاهب الأربعة اختلفوا مذهباً وفكراً ، ولكن لم يعب بعضهم على بعض ، ولم يتنقص بعضهم من قدر بعض ، وكانوا يأخذون العلم عن بعض ، فاختلفوا مذهباً ولم يختلفوا اتجاهاً .

بدلاً من إضاعة وقتنا في تصنيف بعضنا ، والبحث عن هفوات إخواننا وأصدقائنا وأزواجنا ، فلنفهم أولاً أن كلاً منا يختلف عن الآخر في تربيته وتفكيره وأسلوبه ، ولو كنا في نفس الدولة وعلى نفس المذهب ونفس العادات والتقاليد .
ولنفهم بعدها كيف نتقبل الآخر باختلافاته ، وأنه وإن اختلفنا مع شخص ما ، فهذا لا يعني بالضرورة أن أحدنا على خطأ والآخر على صواب ، بل قد يصح أن كلينا على صواب أو كلينا على خطأ . ولنتعلم بعدها كيف نمسك العصا من منتصفها ، وكيف نقبل بأنصاف الحلول مادام الحل لا يقض عرى الدين أولاً ولا العرف ثانياً .
لن يتبقى وقتها سوى أن نأخذ ونعمل بكل ما يقوله الآخر مادام مؤصلاً شرعاً بالقرآن وصحيح الأحاديث ، ولننبذ كل ما لا يوافق كتاباً ولا سنة ، دون أن يفرقنا الخلاف على الاختلاف أو يشحننا بالسوالب . أو مادام الأمر لا يخالف العرف ولا يقلل من كرامة الشخص (في الأمور غير الدينية) .

ولا أنسى أن أنوه بأن الناس في اختلاف نقاشاتهم قد تجدهم متسلحين بأدلة صحيحة وثابتة ومنطق مقنع ، ومع ذلك قد يكون رأيهم خطأ ، أو استدلالهم ليس في محله ، أو تكون الآية منسوخة حكماً ! خاصة لمن يستدل بآية أو شطر آية ولايكمل باقي الآية أو لا يلقي بالاً لسياق الآية وماقبلها ومابعدها من الآيات ، وكذلك من يستشهد بشطر حديث ولا يكمل باقي الحديث الذي قد يهد رأيه من أساسه .

سؤال : إذا كان الله قد قبل لنا الاختلاف في أعظم أمور الحياة وعمودها وهو الدين ، أفلا نقبل على أنفسنا اختلافنا عن الآخرين واختلاف الآخرين عنا في أمور الحياة ونظرتنا المختلفة لها ؟!

الخميس، 20 أغسطس 2009

كتف لوحة

يأبى النوم أن يزورني الليلة .. وموج رقيق من أفكار متفرقة يعتريني الآن .. موج به مسحة من حزن ومسحة من صمت ومسحات من نظرات تأمل ..

أعيد الآن ترتيب بعض أوراق قرارت سابقة اتخذتها في حياتي .. وللمرة الأولى أنتبه أن بعض هذه القرارات تم اتخاذها على عجالة من أمرها ، وأمري .. فظلمت نفسي وظلمتها ، وظلمت كل من يرتبط بهذا القرار بسرعة اتخاذه ..
وبعض القرارات بعد التفكير فيها الآن ، أجدني قد أنصفت ، ورافقتني غمامة من حكمة أثناء اتخاذها .. وللمرة الأولى - ربما - أتحقق من صحة مقولة قالها لي أحد المازحين مرة ، ووجدتها الآن حقيقة .. ألا و هي : من الحكمة أن تبتعد أحياناً لترى بشكل أوضح !

الآن .. وبعد أن ابتعدت عنهم وعن أشيائهم ، وابتعدوا عني وعن مساءاتي .. أجدني أرى بوضوح أكبر ، تفاصيل لم أرها في حينها .. والآن عرفت لماذا يبتعد الرسام عن لوحته لينظر إليها من بعيد ! فهو يريد أن يرى التفاصيل .. كل التفاصيل .. وكلما اقترب من لوحته ، كلما قلـّـت التفاصيل التي يراها ، وكلما غابت عن ناظريه تفاصيل أكثر وأعمق ، وربما أهم ! ولهذا يبتعد .. ولكن ، هل لهذا ابتعدوا ؟؟؟؟

هكذا علاقاتنا الإنسانية .. نقترب من بعضنا حدّ الالتصاق .. نبحث في أعماق بعضنا عن تفاصيل تشبهنا .. عن رائحة مريحة ، كرائحة قهوة .. عن دفء أحضان تحتوينا .. ونبالغ في بحثنا عن أدق تفاصيل اللوحة ، ونبالغ في بحثنا عن أفضلها وأقلها شوائب ! حتى إذا وجدناها اقتربنا منها أكثر ، فلا نعود نرى سواها .. فنذوب فيها عشقاً وهياماً .. ونغفل التفاصيل الأخرى العارية .. الواضحة العري .. عديمة اللون .. عديمة الرائحة .. عديمة الدفء ! ونطمع أن يكون تفصيل واحد طاغياً على كل التفاصيل ..

وفي لحظة من لحظات صدمة عاطفية .. نبتعد لالتقاط أنفاس مقطوعة من لهاث ركض وراء ظل لا صاحب له ! وحين نبتعد وننظر للوحة ، تفاجئنا تفاصيل باهتة .. ويفاجئنا ألا شيء جذاب في اللوحة سوى تلك البقعة الساحرة التي جذبتنا .. ولا يفاجئنا غبائنا باستغباء أنفسنا وتحاشي النظر للوحة كاملة منذ البداية !!

ومايفطر القلب ألا وقت للنظر في لوحة جديدة ، أو التعمق في تفاصيل جديدة .. فلا قوة على الوقوف .. ولا قوة على النظر .. ولا قوة على الشم .. ولا قوة على الثقة .. ولا قوة على الاحتضان .. ولا قوة على الخوف .. ولا قوة على التفكير .. وتصبح جميع أجزاء الجسد خاوية ميتة .. فلا تغرينا أجساد ولا أرواح .. ولا نعود نبحث بعدها عن عطر يأسر الإحساس .. أو صدر يخبيء الدموع .. أو شفتين ترويان عطش الطريق .. وتجف آبار عطائنا بعد أن يمتصوا رحيق حناننا .. ولا يعود لنا من همّ سوى البحث عن جزء واحد في الجسد ........ كتف .. كتف فقط نستند عليه لنقف من جديد .. ووقتها لا يغدو لأي شيء قيمة .. لا لفتات قلوبنا .. ولا لشتات أرواحنا .. ولا حتى للوحة علاقاتنا الباهتة ..

إلى أناس مروا من هنا ، ولم يتركوا سوى غبار ذكرى أصاب إحساسي بزكام حاد : "ليه كذا ليه وش سويت لك ؟؟ اللي حبيته لعمري .. ياعمري .. حبيته لك !"

الثلاثاء، 4 أغسطس 2009

لو سمحت ياويليم .. لو سمحت يافريدريك

خبر ورد في معظم الصحف المحلية الأسبوع المنصرم :
وجـّـه طفل سويدي في الخامسة من عمره رسالة إلى رئيس وزراء بلاده "فريدريك رينفيلد" ، يطالبه فيها بحظر بيع الحلوى (البونبون) من أجل مساعدته على وقف تبذير مصروفه ، على ما نشرت الصحف السويدية بتاريخ 25/7/2009 م !
وكتب الطفل في رسالته التي نشرتها صحيفتا "داغنز نيهيتر" و "افتونبلادت" : "صباح الخير فريدريك ! (فريدريك كذا حاف!!) اسمي ويليم وعمري خمس سنوات . هل في وسعك أن تقرر منع المتاجر من بيع الحلوى ؟ سيتيح لي ذلك ادخار مالي لشراء سوار ومكعبات سحرية" . وتلقى الطفل رداً من رئيس الوزراء الليبرالي قال فيه : "يعتقد الكثير من الناس أنه من الرائع تناول بضع قطع من الحلوى من وقت إلى آخر . وإذا لم يكن المرء راغباً بتناول الحلوى فبوسعه أن يختار عدم شرائها !!" كما شجع رئيس الوزراء الطفل على عزيمته بادخار المال وقوّى من عزيمته ..... !!

خبر كهذا جعل ملايين الأسئلة والمقارنات تتشاجر في رأسي لتكتب أولاً في هذه المقالة ! أصدعكم بقليل منها ..
1- مالفرق بين عقلية طفل سويدي في الخامسة ، وعقلية شاب سعودي في الخامسة والعشرين ؟؟
2- كيف عرف الطفل لمن يوجه خطابه ومن هو المسؤول عن مصيبة عدم ادخاره لماله ، في الوقت الذي لا يعلم السعودي لمن يشكو بعد الله ضعف حاله وهوانه على الناس ؟؟
3- أوجد الفروق العشرطعش بين خطاب الطفل السويدي المختصر والواضح ، وبين مقال في مادة التعبير لطالب سعودي في المرحلة المتوسطة ، أو بينه وبين بحث أكاديمي لطالب سعودي في المرحلة الجامعية ؟؟
4- مالذي جعل الطفل يصل لنتيجة منطقية أن الحلوى هي سبب ضياع ماله وتصرف بناءً على ذلك ، بينما السعوديون لا يزالون يدندنون على وتر الأسهم الضائعة دون أن يجدوا لأنفسهم حلولاً عملية تخرجهم من مآزقهم المالية ودون أن يقرروا ولو للحظة واحدة ؛ التخلي عن عاداتهم الاستهلاكية السلبية ؟؟
5- مالتعليم والتثقيف الاستخباراتي السري الذي تلقاه الطفل منذ نعومة أظفاره ، والذي جعله يثق برد من يوجه له خطابه ، والذي يستطيع أن يساعده على بلواه ، بينما السعوديون لا يزالون يدورون من دائرة إلى أخرى تحت شعار تصريفي بحت "معاملتك مو من اختصاصنا" ؟؟
6- مالذي جعل الطفل يخاطب رئيس حكومة بلاده باسمه الأول مجرداً دون ألقاب ، في الوقت الذي تـُـرَد ألوف المعاملات السعودية لخلو ديباجة "خطاب الاسترحام" من صفات التقدير والتفخيم والسمو والمعالي والاحترام ؟؟
7- لماذا لم يتوجه الطفل لأحد كتـّـاب المعاريض لكتابة رسالته ؟؟ أو بمعنى آخر : ألا يستطيع السعودي كتابة خطاب لوزير أو مدير أو حتى غفير دون أن يدفع لأحد كتاب المعاريض ليكتب له ؟؟ ياشماتة أبلة ظاظا فيا !!!!
8- هل رئيس حكومة السويد ماعنده لا شغلة ولا مشغلة عشان يترك كل شغله ويرد على رسالة طفل ، أو وزرائنا وقياديينا هم اللي مقطعين الشغل مرة ؟؟ (على قول عادل إمام : ساب الجيوش والمماليك والإنجليز ، وفضل يوقع على أطباق !)
كيف يتنصل رئيس وزراء السويد من جميع مسؤولياته ومهامه الحكومية ليرد على طفل صغير ؟؟؟ ليش ما يحلل راتبه ويشوف قضايا أهم ؟؟؟؟ سخافة بصراحة
9- مالذي جعل رئيس وزراء السويد ينظر للنصف الممتلئ من الكأس ، فنظر للخطاب بعين الاهتمام ولو كان من طفل صغير ، في الوقت الذي ينظر معظم قياديينا للمعاملة على أنها منكر ومتهم وشيء ناقص حتى يثبت العكس ! فينظرون المعاملة بعين التشكيك والتنقص والبحث عن الأخطاء الإملائية .. وياما معاملات أتأخرت عشان همزة وتاء مربوطة وخاء منفوشة و ذال مذلولة !!
10- هل لو خرج علينا الطفل وليم في مقابلة تلفازية ومعه طفل سعودي في نفس الموقف ، هل ستكون مقابلتهما التلفزيونية واحدة ؟؟ أكاد أجزم بأنه في الوقت الذي سيتحدث وليم عن الركود الاقتصادي وسبب كثرة الطلاق والانتحار في بلاده ، سيكون طفلنا السعودي النجيب يحك مؤخرته بيد ، ويحك أنفه بالأخرى ، وسعبولة أليمة تشق طريقها نحو ذقنه من طرف فمه !!
11- لماذا اتخذ رئيس وزرائهم هذا الدور التربوي ، فشجع الطفل على الادخار ونمّى فيه هذه الصفة الحميدة ولم "يسلخ" الطفل برسالة توبيخ له أو لوالديه ؟؟
12- لماذا كان خطاب الطفل ويليم مختصراً وواضحاً ويصيب قلب القضية مباشرة ، بينما معاريضنا تصل لمجلدات ثلاثة أرباعها "طال عمرك" و "كما تعلمون حفظكم الله" و "نرجو من الله ثم من كرمكم" و "أنت بابا وأنت ماما وأنت أنور وجدي" !!
13- مالذي جعل شخصية طفل في الخامسة بهذه القوة وبهذا الوضوح ، ومالذي جعل بعض أطفالنا وقد وصل على أعتاب المرحلة المتوسطة مازال ينام في أحضان أمه ويبكي لو ابتعدت عنه ؟؟
14- هل هناك أمل أن تصل عقلية وتمييز أطفالنا لنصف مستوى أطفالهم (مثلما آمل أن يصل مستوى منتخبنا الأول لربع مستوى رديف برشلونة) ؟؟
15- هل هناك أمل أن يرد أحد وزرائنا أو قياديينا على رسالة من مواطن مطحون معدوم مهروس مدعوس ، دون أن يكتب معروضاً أو يحب خشوماً أو يلحس رخاماً أو يتصل بفلان أو تكفى يا علان ؟؟
16- هل أن أحوَل ومتشائم أم أن هذه الأسئلة صحيحة وشرعية وغير مقلوبة وفي مواضعها المناسبة ؟؟
17- هل السر في خطاب ويليم ، أم في حنكة رئيس الوزراء ، أم في التربية ، أم في النظام الذي يحترم الكل ، أم في مخي المضروب ؟؟
18- سؤال أوجهه للطفل ويليم : ممكن تعلمني أكتب خطابات لو سمحت ؟؟؟
19- سؤال أوجهه لرئيس حكومة السويد : ممكن تعلمهم يردوا علينا لو سمحت ؟؟؟

السبت، 25 يوليو 2009

ساعدوا الشيطان .... ببلاش !

خرج علينا الشاب السعودي مازن عبد الجواد في قناة LBC واصفاً حياته الجنسية ، طاعناً في نساء جيرانه ، ومظهراً نساء السعودية بمظهر الماديات اللواتي قد يبعن أنفسهن من أجل المادة ! وعرض أدواته الرخيصة بوقاحة وإباحية ، فجاهر بالمعصية وخدش الحياء ، وخدش كرامة شعب وكرامة وطن ..

وعلى قدر ما تتباين وجهات النظر حول أي قضية ، إلا أن قضية مازن عبد الجواد لاقت ردة فعل واحدة ، وهي اللعن والسب والشتم والمطالبة بأقصى العقوبات لهذا المارق المأفون ، ووصمه بأبشع وأقذر العبارات وكأن واصمه وشاتمه ولاعنه منزه عن الخطأ ! هذا غير بعض المعوقين ذهنياً اللذين وصفوه بـ "بقايا الحجاج" وأن هذه الأفعال الحقيرة لا تصدر إلا من المتسعودين ؛ وكأن السعوديين "عيال الحمولة" لا يخطئون ومايجيبون العيد ولا حتى ويك إند !!!!

لن أدافع عن هذا الشخص ، ولن أبرر أفعاله ولن أحللها ، بل سأحلل ردود الأفعال التي تشعر من قوتها بأن مطلقيها آلهة لم يخطئوا ولم يذنبوا في حياتهم .. إن كان ذنب مازن أنه جاهر بالمعصية ، فكثيرون في حياتنا اليومية يجاهرون بمعاصيهم ومغامراتهم المغربية والدمشقية والمحلية في المجالس والمنتديات ، بل ويتفاخرون بها أمام القاصي والداني وأمام الأجانب وغير المسلمين أيضاً وعلى ملأ اليوتيوب .. فلماذا الآن هذا التقريع الشديد لمازن وقد جاهر كما يجاهرون وأذنب كما يذنبون ؟؟

سافروا للخارج بدءاً من الدول الأقرب فالأبعد لتروا أفعال السعوديين جهاراً نهاراً ، غير مبالين بسمعة السعودية أو بسمعة الإسلام ! بل قبل أن تسافروا وأنتم في الطائرة سترون البوادر ابتداءً من "تشليح" العبايات ورميها في كيس مكرمش ، وانتهاءً بالتحرش بالمضيفات ..
التدخين والتفحيط والمغازلة وإسبال الثياب ورفع صوت الأغاني في الشوارع ، بل محلات بيع أشرطة الأغاني بحد ذاتها كلها مجاهرة بمعاصي ، لماذا لم تقم قائمة الشعب على هذه الذنوب وعلى المجاهرين بها ، أم أنها من كثرتها أصبحت علكة قديمة بصقناها وبحثنا عن غيرها و لم ننتبه لمرارة طعمها !!!!

لا ألوم الشعب على غيرته وحميته ، بل ألومه على عدم عقلانيته وعدم موضوعيته ، ونظرته الدائمة للأمور بمنظار عاطفي حماسي متعجل .. مالفرق بين مازن وبين أكبر مختلس ومستغل لمنصبه في الدولة يقول بأعلى صوته عند شكوى أحدهم "أعلى مافخيلك اركبه" ؟؟؟؟ أليسوا سواءً في المجاهرة ؟؟؟

روى أبو هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي برجل قد شرب الخمر فقال : اضربوه . فمنا الضارب بيده والضارب بثوبه والضارب بنعله . ثم قال : بكتوه فأقبلوا عليه يقولون : ما اتقيت الله ما خشيت الله وما استحييت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال بعض القوم : أخزاك الله . قال : لا تقولوا هكذا لا تعينوا عليه الشيطان ولكن قولوا : اللهم اغفر له اللهم ارحمه . (هداية الرواة 3/439)

مازن أخطأ وعليه من الله ما يستحق ، ولكن لا جدوى من سبه والفرح بالقبض عليه والشماتة فيه ، بل الأصل أن نعمل بسنة نبينا ، ولعل مازن قد تاب الآن توبة ، لو وزعت على أهل جدة لكفتهم .. لكن وش أقول عن شعب طفشان ما صدق قضية تصير عشان يجلس يلوك فيها غير : ساعدوا الشيطان على أخيكم ، اعملوا لحساب الشيطان .. لكن تراكم تشتغلون متعاونين لحسابه ببلاش !!

اللهم اغفر لمازن ..
اللهم ارحم مازن ..

السبت، 18 يوليو 2009

أصولنا بنغالية

يهكرون على خطوط الهاتف في أوكار للاتصالات المحوّلة ..
يخالفون أنظمة الإقامة ..
يخالفون أنظمة العمل ..
ينسقون و يقيمون حفلات الرذيلة ..
يهرّبون و يصنعون الخمور و برامج الحاسوب المقلدة والمزورة ..

كل ما سبق أمثلة عن بعض نشاطات أهل البنغال .. أو العمالة البنغلاديشية في السعودية ..
ولنقارن بين هذه العمالة المغضوب عليها في السعودية وبين بعض السعوديين (أو معظمهم في نظري) المقيمين في الخارج ؛ سواءً لدراسة أو عمل أو خلافه ..
فالسعوديون يريدون التحايل على شركات الاتصالات في بلد الإقامة ، والحصول على أرخص أسعار المكالمات الدولية (هذا إن ماجابوها بلاش عشان يتصلون على أمهاتهم اللي ماعرفوهم غير في الغربة) .. ولايخجلون من التصريح عن طلبهم للبرامج الحاسوبية والأجهزة الالكترونية التي تسهل عليهم هذا التحايل !
وكثير منهم يخالف أنظمة إقامة البلد الذي استقبله ، بل يخالف أنظمة السفارات السعودية فلا يبلغهم بدخوله أو خروجه من البلد ، ثم يلهث إليهم عند مواجهته أي مشكلة ! وكمداخلة ليس لها علاقة بالموضوع .. كيف تتوقع أن تعترف بك السفارة السعودية أمام جهات البلد المختصة عندما يسرق جواز سفرك - مثلاً - وأنت لم تسجله في السفارة منذ البدء ؟؟ (مالنا علاقة بهالموضوع الحين ، بس خطرت في بالي لأنها حصلت مع شخص مبتعث سُجن لمدة سنة)
وكثير من السعوديين يخالف أنظمة الابتعاث السعودية والأجنبية المانعة على الطلاب الجمع بين الدراسة والعمل !
وكثير منهم ينسقون ويقيمون حفلات الرذيلة بكل أنواعها ، بل بعضهم لم يسافر إلا لذاك !!!
وكثير منهم (بل كلهم) يستخدم التحميل غير الشرعي من الانترنت ، ولا يتورع عن شراء ونسخ البرامج والاسطوانات المدمجة المسروقة والمشبوهة ، مهما كان محتواها !

الآن وبعد هذا العرض السريع وغير المفصل .. يتبادر إلى ذهني أسئلة تقرقع في صدري ..
لماذا نصبّ جام غضبنا على العمالة البنغالية في السعودية ونطالب بإبعادهم وإقصاءهم عن السعودية ، بينما نحن نمارس نفس الأفعال - و ربما أسوأ - في بلاد الغربة (وفي السعودية أيضاً) ؟؟؟
لماذا نتشدق بالدين والعادات والتقاليد في السعودية فقط ، وفي الخارج نرفع شعار : ديرة مو ديرتك "...." فيها وانت واقف ؟؟
لماذا نصف البنغاليين بالمجرمين والمفسدين في الأرض عند ارتكابهم لأفعال شائنة ، في الوقت الذي نبرر لأنفسنا أفعالنا الشائنة بقولنا : هذولي كفار يستاهلون !!!!!!

أفعالنا و أفعالهم سواء .. فإما أن نكون أفضل منهم و أرفع قدراً بصفة عامة (وهذا مالا يمكن إثباته) بحيث نصبح منزهين عن أن يتنقصنا أحد أو يسخر منا وبحيث يصبح من حقنا فعل ما نشاء وقتما نشاء أينما نشاء ..
و إما أن نكون مثلهم فعلاً (وهذه هي الحقيقة) ووقتها ماينفعش نرمي الناس بالطوب وبيتنا من زجاج .. فأنصح بأن نبحث جيداً في أصولنا و أصولهم .. فمن المؤكد أن أصولهم عربية ، أو أن أصولنا بنغالية !

السبت، 11 يوليو 2009

موز وماء بارد

مجموعة من العلماء و ضعوا خمسة قرود في قفص واحد .. و في منتصف القفص يوجد سلم ، وفي أعلى السلم هناك بعض الموز ..
في كل مرة يرتقي السلم أحد القرود لأخذ الموز ، يرش العلماء باقي القرود بالماء البارد ..
بعد فترة بسيطة ، أصبح كل قرد يحاول أخذ الموز , يقوم الباقون بمنعه و ضربه حتى لا يتم رشهم بالماء البارد !
بعد مدة ، لم يجرؤ أي قرد على ارتقاء السلم لأخذ الموز على الرغم من كل الإغراءات ، خوفاً من الضرب ..

بعدها قرر العلماء أن يقوموا بتبديل أحد القرود الخمسة بقرد جديد ..
أول شيء قام به القرد الجديد أنه حاول ارتقاء السلم ليأخذ الموز ، ولكن القرود الأربعة الباقين ضربوه و أجبروه على النزول !
وبعد عدة مرات من الضرب ، فهم القرد الجديد بأن عليه أن لا يرتقي السلم مع أنه لا يدري ما السبب !!!!!

قام العلماء أيضا بتبديل أحد القرود القدامى بقرد جديد ، و حلّ به ما حل بالقرد البديل الأول .. حتى أن القرد البديل الأول شارك زملائه بالضرب و هو لايدري لماذا يضرب !!
و هكذا حتى تم تبديل جميع القرود الخمسة الأوائل بقرود جديدة ، حتى صار في القفص خمسة قرود لم يرش عليهم ماء بارد أبداً ..
و مع ذلك يضربون أي قرد تسول له نفسه ارتقاء السلم دون أن يعرفوا ما السبب الفعلي لفعلهم هذا !!!!

لو فرضنا أننا سألنا القرود لماذا يضربون القرد الذي يرتقي السلم ، فبالتأكيد سيكون الجواب : لا ندري .. ولكنا وجدنا آباءنا وأجدادنا له ضاربين !!!!!!

تكلمت في مقالي السابق "نظام سابا" عن موروثات الأقوال ، ومايؤدي بعضها من التمسك بمعتقدات خاطئة تسيطر على أفعالنا فتجعلنا أسرى لها عن التغيير للأفضل والأصح ، دون أن نعطي الفرصة لأنفسنا بالتفكير فيها وفي جدوى العمل بها وتوارثها ..
وتجربة القرود والموز والماء البارد إكمال لمقالي السابق ، ولكنها تتحدث عن موروثات الأفعال .. أو لأكن أكثر دقة ..... إنها تتحدث عن موروثات المجتمع المندرجة تحت بند "العادات والتقاليد" وتحت بند "ممنوع الاقتراب" !!

هذه التجربة مثال مصغر لما حكاه الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز عن الأمم الغابرة التي عبدت مخلوقات من دونه ، فكانت إجابتهم لرسلهم موحدة (إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون) وكأنهم يتوراثون هذه الإجابة (أتواصوا به بل هم قوم طاغون) ..
الفرق بين الحالتين ، أن الأمم الغابرة كانت تردد الإجابة وفقاً لما تعتقده دينياً ، بينما مجتمع القرود (عفواً أقصد مجتمعنا) يردد ويتصرف بناءً على مايعتقده اجتماعياً ..
ولا يخفى على جاهل أن كثيراً من بعض موروثاتنا الاجتماعية لا توافق كتاباً ولا سنة ، ومع ذلك نجد بعضهم لا يزال يتمسك بها ويعمل بها ويتوارثها .. بل وقد يصل به الأمر لحدّ إيذاء من يتعرض له بالنصح !!

وكمثال على سواد بعض عاداتنا (وأثق أنكم بعد قراءة المقال ستزور عقولكم أمثلة أكثر) مسألة الحجر على بنت العم !!!
ومسألة عدم قيادة المرأة للسيارة .. ومسألة لهف ثلاثة أرباع مهر الفتاة بحجة أن هذه تكلفة التربية !!!! (التربية غليت في البلد !!)
وكذلك مسألة عدم كشف المرأة وجهها لزوجها حتى وهم يمارسون علاقتهم الحميمة ، حتى أنها تأكل بعده من بقايا أكله .. ولا يصح أن تأكل معه ولا حتى في نفس الوقت في مكان آخر !!!!
أتكفي هذه الأمثلة ؟؟؟

هدفي من هذا المقال ليس إيجاد حلول لهذه الأمثلة ، ولا لمثيلاتها من المشكلات الاجتماعية العويصة والتي تحتاج لمتخصصين يحتاجون بدورهم لوقت كبير يقارب العقود من الزمان وعبر أجيال متلاحقة لحل هذه المشكلات .. هدفي أصغر من هذا بكثير ..
هدفي ليس جماعياً .. بل أستهدف الفرد بحدّ ذاته .. وإذا بدأ التغيير من الفرد قد يصل لأفراد ، يوصلون الأمر بدورهم لمجتمع ..
وهدفي من مشكلات الفرد أصغرها .. لن أنظر للمشاكل العميقة ، بل لصغائر الأمور التي تقف عائقاً أمام الفرد عن التغيير وعن الخروج عن قيود عادات لا تمتّ للإسلام بصلة !!
إذا استطاع الفرد تحديد أسوأ عاداته وموروثاته غير المتصلة بالإسلام ، وحاول إقصائها وعدم العمل بها ، ثم حاول التأثير في محيطه الصغير فهذا يكفيني .. والرسول في بداية دعوته إنما أمر بدعوة عشيرته فقط (و أنذر عشيرتك الأقربين) ..
هدفي أنه إذا سألنا غريب عن بعض أفعالنا أو موروثاتنا ألا نجيب مثل القرود : إنا وجدنا آباءنا وأجدادنا كذلك يفعلون .. بل نجيب : إنا لسنا مقلدون .. إنا قوم مفكرون .. ولن نجيب مثل ما كانوا يجيبون ..

الأربعاء، 8 يوليو 2009

نظام سابا

من أكثر الحـُـجج سخافة ، حـُـجة "الطبع يغلب التطبع" .. فتجد كل من لديه سلبية أخلاقية أو نقص أخلاقي أو على الأقل خصلة تضايق المحيطين به ولو لم تكن سلبية ، يسارع بإلقاء العبارة على مسامعك ، وكأنها قرآن منزل يجب العمل بمقتضاها !
في الحقيقة لا تستفزني عبارة مثل هذه العبارة .. أو هي من أكثر العبارات التي أسمعها استفزازاً ..
فبعضهم يرفض النصيحة أو حتى الاستماع لها .. ويرفضها ولو حتى من باب النقاش وإيجاد الحلول !

فتجد في هذه القائمة كثيراً من المدخنين والمفحطين والمتعصبين (الرياضيين والعرقيين والقبليين والمذهبيين والذكوريين ... إلخ) وغيرهم ؛ ومعظم المنتمين لهذه الفئات يرفضون تغيير طباعهم وعاداتهم رافعين شعار هذه الحجة السخيفة !
فالمدخن يرفض قطع هذه العادة الخبيثة بحجة إدمانه وتغلغل النيكوتين في خلاياه وعظامه ونخاع عظامه !!
والمفحط يتحجج بعشقه للسيارات أو باتهامه بجهل مناقشه للذة ممارسة حركات الموت ولذة بث الأدرينالين في الأوردة والشرايين !!
والمتعصب لناديه يرفض أي نقاش أو إساءة لناديه (وقد يقبلها على نفسه) بحجة تعلقه بالكرة أو باتهامه بجهل عاشق النادي المنافس للتاريخ الكروي والرياضي وجهله بأبسط قواعد الكرة ! والتعصب العرقي والمذهبي والقبلي والذكوري لا يخفى عليكم ..

آخذكم الآن عبر الزمان لقرون مضت ولما قبل مبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسنوات ..
ولن أتحدث عن كل من عاش في تلك القرون الأولى ، بل سأختصر حديثي عن فئة الكهول (وهي الفئة التي جاوزت سن الثالثة والثلاثين في أوسط الأقوال) ..
كان الناس مدمنو خمر ، مدمنو نساء ، متعصبون لعشائرهم ومن ثم قبائلهم ومن ثم عرقهم العربي ومن ثم ذكوريتهم المزعومة .. كانوا قاطعي رحم ، مرابين ، وائدي بنات ، هاضمي حقوق ... إلخ من الصفات والعادات السيئة المركبة والمعقدة والمتوارثة جيلاً بعد جيل و التي يعجز عن تقويمها أعظم الأطباء و أخصائيي ومستشاري علم السلوك الإنساني والاجتماعي والنفسي!

ثم بـُـعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ناهياً عن الخمر ، ناهياً عن الزنا ، ناهياً عن وأد البنات ، ناهياً عن التعصب للقبيلة واللون والجنس .. فسمع الناس وأطاعوا .. لم يقل أحد "هذا طبعي والطبع يغلب التطبع" !! لم يقل أحد "بعد ما شاب ودوه الكتـّـاب" !! لم يتعلل أحدهم بعمره أو بمرضه أو بوضعه الاجتماعي أو المالي (و إن كان هذا هو سبب كفر أبو جهل على سبيل المثال مع إيمانه بصدق الدعوة في باطنه) !!

هل التوقف عن التدخين أصعب ، أم التوقف عن إدمان الخمر أصعب ؟؟؟
هل التوقف عن العادة السرية أصعب ، أم التوقف عن الزنا أصعب ؟؟؟
هل التوقف عن إذلال البنات وعضلهنّ أصعب ، أم التوقف عن وأد البنات أصعب ؟؟؟
هل التوقف عن التعصب للنادي والتعصب للرأي والتعصب للخلق السيء فينا أصعب ، أم التوقف عن التعصب للقبيلة وللوضع الاجتماعي والمادي واللون أصعب ؟؟؟
هل تغييرك لطبعك أصعب من تغيير سيد قرشيّ لطبعه ، فأصبح في غمضة عين يأكل مع عبده ويقف بجانبه في الصلاة ويعتذر له ويجاهد معه ، في الوقت الذي ما زلنا مع كل علمنا وثقافتنا ننظر لبعض الجنسيات بدونيّة ؟؟؟
إن هذا لشيء عجاب !!!

من الأشياء المثيرة للحزن أن تفرقك السنون عن بعض من تربطك بهم علاقة .. ولكن مايجعل الأمر أكثر حزناً أن تقابله بعد كل هذه السنون لتجده كما هو لم يتغير ولم يتزحزح قيد أنملة عن موضع أخلاقه وعاداته السيئة .. والمثير للدهشة أننا نستمتع بقول الآخرين لنا : "يااااااه يا فلان ، تصدق بعد السنين هذي كلها انت زي ما انت ما اتغيرت !!!" قد تثير عبارة كهذه فرحي إذا قصد المتحدث أن طباعي الحسنة لم تتغير ، ولكنها قد تكون أشبه بصاعقة لو كان يقصد الجانب السيء فيّ !
ومَن منا يسأل ماذا يقصد المتحدث !!!!

لن أدعوك للتغيير والتطوير ، فلعل ثقافتك في هذا المجال تفوقني .. ولكن يكفيني أن أنير لك زاوية مظلمة قد تكون مررت بها ولكنك لم تعرها انتباهاً كافياً .. أو لعل متراكمات الموروثات من الأقوال أثقلت كواهلنا عن النظر بتمعنّ أو التفكير لوقت كافٍ في صحة بعض هذه الموروثات أو جدوى توارثها أو العمل بها (ولنا حديث آخر إن شاءالله عن موروثات الأفعال) ..

بيدك التغيير وبيدك أن تعيش على نظام نيكول سابا ..
فقد أدت (ولم تغنِّ) أغنية بائسة ..
الأغنية تقول كلماتها : "أنا طبعي كدا .. وبحب كدا .. وبحب أعيش ومعنديش إلا كدا .. دي حياتي أنا .. دي ملكي أنا .. وأنا مهما يكون برضو حكون زي ما أنا" (يعني بالمختصر زي اللي تقول أنا مخي جزمة قديمة وماحتغير ولو مو عاجبك اشرب من البحر)
يتهيأ لي نظام سابا مرة كويس ويناسب ناس كثير ، خاصة اللذين يتسائلون "ولماذا التغيير ؟؟" .. بس فيه النظام اللي أكوس منه ويناسب الناس اللذين يتسائلون "كيف التغيير ؟؟" !!

السبت، 4 يوليو 2009

أعناق و أرزاق

<مالك فطور معنا .. يا نذل !!>
تصبـّـح "خالد" مدير شؤون الموظفين الشاب بهذه العبارة من زملاءه في الشركة ؛ فانعقد حاجباه في استغراب ، وعلى شفتيه ابتسامة مستفهمة لهذه الظهور الموجهة له بعد أن أدار الكل وجوههم له مكملين إفطارهم غير عابئين بوجوده !!
بدايةً ، شعر أن في الأمر مزحة ما .. ولكن عندما همّ بالاقتراب منهم ليفطر معهم كما يحدث كل يوم ، فاجأه أكبرهم سناً والذي يفوقه عمراً بعقدين أو ثلاث والذي يعمل تحت إمرته وفي إدارته ؛ بصيحة هادرة مكرراً :
<قلت لك مافي فطور .. اقلب وجهك !!>

اعتدل "خالد" في وقفته مسترجعاً بذاكرته الحديدية أي أحداث قد تكون صدرت منه و أدت إلى ردة الفعل الهجومية الجماعية هذه .. ولكنه لم يهتد لشيء ؛ أو أن ذاكرته صنفت جميع الأحداث والذكريات على أنها إيجابية !
ولم يلبث "خالد" أن تسائل باهتمام :
<خير ياجماعة !! خير يبو سعود ، وش صاير !!>
التفت أحد (شيّاب) الشركة وقدمائها إلى "خالد" ولقمة فول كبيرة تصنع كرة على جانب فمه قائلاً بحدّة :
<عن الهبل يا ورع ولا تسوقها>
استفزت الكلمة "خالد" فأجاب بسرعة :
<لا تسوقوها أنتم واتكلموا بصراحة .. وبدل أسلوب اللف والدوران قولوا وش مضايقكم ولو كنت غلطان ابشروا بالحق>
أجابه "أبو سعود" كبير مخضرمي شؤون الموظفين والذي يعمل تحت إدارة "خالد" الشاب :
<الحين انت يالبزر ياللي ماكملت 7 شهور في الشركة تفصل "أبو ماجد" اللي من قبل تولد وهو يشتغل في الشركة ؟>
تراخت أعصاب "خالد" المشدودة وبدت بسمة ثقة على شفتيه وهو يقول :
<الحين هذا اللي مزعلكم ؟؟؟ ياجماعة الخير مو أنا اللي فصلت "أبو ماجد" .. "أبو ماجد" هو اللي فصل نفسه بإهماله لعمله وتحايله على قوانين الشركة وقوانين مكتب العمل .. هذا غير تزويره للتقارير الطبية اللي يجيبها من عند معارفه بالمستشفيات .. وغياباته واستئذاناته المتكررة بدون مايعطي أحد خبر وكأن الشركة هذي مالها أحد يديرها .. وكفاية شغله المتأخر وإنتاجيته القليلة في العمل .. وبعد هذا كله تتهموني بإني فصلته !!!!! أنا مجرد منظم و منفذ للقوانين وحامي لأموال شركة صاحبها ائتمني على حلاله !!>

لم يعجب التحليل المنطقي "أبو سعود" فقال بإزدراء :
<ماسمعت بالمثل اللي يقول : قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق ؟؟>
كرر "خالد" كلامه في صبر :
<يبو سعود أنا ماقطعت رزق أحد ولا عنق أحد .. لكن لما يكون الموظف متهاون في عمله ، ونحذره مرة واثنين وثلاث وهو معتمد على كبر سنه وقدمه في الشركة ومتوقع إنه فوق المساءلة ، بتكون هذه هي النتيجة ...... أنا ما أقدر أحابي أحد في الوظيفة حتى لو كان أخوي أو ولدي .. هذا مال ناس مو مال سايب أو مال سبيل .. وإذا كان "أبو ماجد" مو قادر يقوم بالوظيفة فغيره عشرات الآلاف في الشوارع يتمنوا نص راتبه وضعف شغله وراضيين .. وإذا حياء "أبو ماجد" ما منعه من هذي التصرفات ، فليش احنا نتغاضى بإسم الحياء أو بإسم الصحبة والصداقة والعشرة !!!! يعني يوم غلط "أبو ماجد" ماقلتوا شي ، ويوم إننا نتبع قوانين دولة وقوانين شركة نكون غلطانين ؟؟؟ هذا سبب تأخرنا عن التطور والتقدم ، وسبب إن ناس كثيرين قاعدين في مناصب وهم مايستاهلونها .. عالة على الدولة وعلى الشركة وعلى ناس هم أولى بهذي المناصب !>

غمغم أحد الجلوس قائلاً :
<مو قلت لكم ماعنده سالفة .. بيشوف نفسه أول مايترسم....>
رد "خالد" موضحاً :
<ياجماعة الخير المسألة ماهي مسألة شخصية .. المسألة مهنية بحتة ، مهما كانت العلاقة طيبة بيني وبينكم .. لازم نفصل بين العلاقات الشخصية والعمل وإلا الدنيا بتصير فوضى والإنتاجية راح تقلّ ؛ وإذا قلـّـت الإنتاجية موارد الشركة راح تقل .. وهذا طبعاً في ظل زيادة مصروفات الشركة لأنها بتدفع رواتب لناس ماتشتغل .. وأكيد الشركة بتفلس وكلنا بنصير في الشارع .. ايش رأيكم ؟؟؟ كلنا نصير في الشارع والا الغلطان بس يطلع الشارع ؟؟؟>

بعد لحظات من الصمت والتفكير والخوف من البوح بالإجابة التي يعرفها الجميع ، أجابه أحدهم :
<عن الفلسفة بس .. مالك فطور يعني مالك فطور .. ومثل ماقطعت رزقه بنقطع رزقك ومابتفطر معنا !!>
رد خالد بابتسامة هادئة :
<هذا وأنا قاط معكم بالشهرية في الفطور .. أجل لو ماقطيت معكم وش تسوون ؟؟>
أدار الكل ظهورهم مكملين وجبة الإفطار الممتدة لأكثر من 45 دقيقة حتى الآن .. و همّ "خالد" بالمغادرة عندما تذكر شيئاً فاستادر مرة أخرى قائلاً بنبرة فهمها الجميع :
<يكون بعلمكم .. مصير "أبو ماجد" حيكون مصير كل اللي يتهاون في عمله وكل اللي يزود مدة الفطور عن ربع ساعة .. وهذا كرم من الإدارة والا المفروض مافي وقت للفطور وتعطيل مصالح خلق الله>
و غصّ الفول في حلوق الجميع !!!!

الاثنين، 29 يونيو 2009

حلم و انقضى ..

هاتفته فجراً ليلقي بغياهب النوم جانباً ، غير مصدق بأنها تهاتفه في مثل هذا الوقت ... وبعد كل هذا الوقت !
شهور مضت منذ آخر مرة تعاركا فيها .. ولم يتصور يوماً ولو في أحلى أحلامه أن تتصل به من جديد !
ولكنها الآن تتصل .. اسمها الذي لم يظهر على شاشة جواله منذ زمن ، يظهر الآن منيراً الشاشة ومنيراً قلبه المظلم ومنيراً أملاً جديداً له في الحياة ..

خاطبته وكأنهم لم يتعاركوا يوماً ، بحماسة ومودة وسؤال عن الحال والأحوال ..
لكنه لم يرتح لنبرة التوتر في صوتها .. لم يرتح لشيء يصارع أعماقها للخروج والبوح ..
ولكنه بأسلوبه المشابه لأسلوب أعظم المنوّمين المغناطيسيين استطاع استدراجها لهاوية البوح و الاعتراف .. والفضفضة ..

انطلقت محبوبته القديمة - والحالية - تصف لوعة قلبها وحريق أوشاجها وجزع نفسها وبكاء عينها ببعاد حبيبها ..
ولكنه ولشدة دهشته لم يكن هذا الحبيب الموصوف !! بل كان شخصاً آخر أحبته في غضون شهور فراقهما ..
ولشدة ثقتها بحبيبها القديم وبحصافة رأيه ورجاحة عقله ، هاتفته في هذا الوقت المتأخر - أو المبكر - المقارب لساعات الفجر الأولى لتستشيره ولتلقي بلوعات قلبها في جوف حبيبها القديم !!!
ولشدة دهشته هو شخصياً ، انطوى حبيبها القديم يسألها كمخضرمي العلاج النفسي عن ملابسات القضية ؛ وعن أدلتها و قرائنها الداعمة لقولها .. وانبرت هي كسيلٍ جارف تروي كل شيء معتبرة أن إحساس الحبيبة وحده يكفي كدليل !

لم يدر لماذا يساعدها !!
لماذا يستمع إليها .. بل لماذا ينصت لها !!
لماذا يعتصر خلاياه الرمادية مستنجداً بجميع خبراته الحياتية ليجد لها حلاً سريعاً وقاطعاً ينقذها من حرائقها !!
والأعجب أنه لم يجد تفسيراً لراحته النفسية بعد أن توقفت محبوبته عن البكاء بسعادتها بوصوله لحل يعيدها وحبيبها الجديد كعصفوري جنة !
و زادت راحته بضحكتها الرقيقة التي لم يسمعها منذ زمن !

وحين انتهت المكالمة كان كمن اسيقظ من حلم عميق !
وتوالت الأسئلة دون أجوبة تحاصر خلاياه الرمادية من جديد ..
هل هذا هو الاتصال الذي ينتظره منذ زمن ؟؟؟
هل يحق لمن كانت معه في علاقة سابقة أن تهاتفه لتستشيره في علاقة حالية ؟؟
هل كان صادقاً في مشورته لها ، أم أشار عليها بما يهدم علاقتها الجديدة ؟؟
لماذا هذه الراحة في أعماقه ؟؟
هل يحبها لدرجة أنه يسعد لسعادتها ولو لم تكن معه ؟؟ أم أنه لم يحبها يوماً ؟؟
أم أنه سعيد لأنه لن ينتظر الليالي بعد اليوم منتظراً مكالمة شوق منها ، وسينام مطمئن البال بأنه لم يعد مرغوباً فيه ، وأنه حلم وانقضى ؟؟
أم سعيد فقط لأنه سمع صوتها وضحكتها الرقيقة ؟؟
أم سعيد لأنه يستطيع المضي قدماً في علاقة جديدة دون تأنيب ضمير ؟؟
أم لأنه تأكد الآن من نظريته القديمة بأنها بمجرد انتهاء علاقتهما ستنساه وتبحث عن غيره ! وتذكر وقتها كم كان يحبها ، ولكنه لم يشعر يوماً بالأمان معها ..

وفي لحظة واحدة تحولت مشاعره الإيجابية لأخرى سلبية ؛ وهو يلعن في أعماقه هذه القلوب التي تنسى بسرعة كما تحب بسرعة ..
قلوب أقرب إلى الفنادق منها إلى القلوب ! قلوب لا يلبث ساكنها بالاستقرار فيها حتى يتم طرده بلا هوادة ولأول حدث بسيط !
قلوب بلا قلوب .. وحب أقرب إلى الماء منه إلى الحب ..
أو حب أقرب للهواء .. نعم للهواء .. وتناغمت فكرته مع صوت "حليم" الرخيم المتعالي من رادي الجيران :
"زي الهوا ياحبيبي ، زي الهوا .... و آه م الهوا ياحبيبي ، آه م الهوا"

أي حب هذا الذي لا يغفر الزلات !! وأي قلب هذا الذي يستبدل الأخلاء بهذه السهولة !!
كادت خلاياه تذوب من فرط التفكير .. وهداه تفكيره الحصيف لطوي صفحة قديمة .. وإنهاء حلم قديم ..
فالحزن في القلب .. وعجلة الحياة مستمرة .. ولن يوقف حياته بإسم الحزن بكاءً على شيء مضى وانتهى .. وبكاءً على من لا يبكي عليه ..
فطوى الصفحة .. و أنهى الحلم ..
وكان حلماً و انقضى ..

الأحد، 28 يونيو 2009

للسعوديين فقط !

هي حملة من الحملات الكثيرة المنتشرة في النت ، والتي وصلتني عبر الإيميل ..
يحوي الإيميل قصصاً متنوعة عن ظلم الشركات للعمالة السعودية ومحاباتها للأجانب ، وبعضها قصص غير منطقية على الإطلاق ، مما يوحي بسوء التأليف أو بسوء تناقل الرواية الأساسية ووضع البهارات عليها !!
بعد سرد هذه القصص ، يخبرنا "الحكواتي" عن أهداف هذه الحملة ويبدأ حكايته بعبارة : "هذه الحملة ليست عنصرية" !
ويطالب بعدة طلبات من بينها تطبيق قانون العمل بإحلال السعوديين مكان غير السعوديين إلا في التخصصات النادرة كما ينص قانون مكتب العمل (مع ذكره رقم المادة في قانون مكتب العمل ، والتي لم أجدها بالمناسبة بعد البحث !!) ، وهنا أرد فأقول : ياعزيزي منفذ الحملة أنت وقومك المتبعون لك ، معظم الوظائف الآن تطلب لغة أجنبية وبعض مهارات الكمبيوتر على الأقل ، وفي الوقت الذي لا يحسن الكثيرون هاتين المهارتين الضروريتين ، تصبح معظم التخصصات "نادرة" بما فيها سائقي الرافعة الشوكية !! فلا يكفي أنك سعودي لتشغل الوظيفة .. وإذا كنت صادقاً في هدفك بإحلال كل الوظائف بالسعوديين سوى النادرة منها ، فلتبدأ بنفسك ومن معك بكنس الشوارع والعمل كـ "خضرجي" أو "فكهجي" أو نجار أو حلاق أو سباك أو غيرها من الوظائف الحرفية ..


ليس من المنطق أن يتم إحلال الموظفين الأجانب بسعوديين بدءاً من الأعلى .. أعني من الوظائف القيادية .. بل المنطق أن تبدأ الصعود درجة درجة ، وأكل العنب حبة حبة ..
وسؤالي هنا : هل يستطيع السعودي تنظيف الشوارع وغسيل السيارات ودهن البيوت وتصليح كراسي الحمامات المسدودة بمخرجات بطن سعودي آخر (أو أجنبي آخر مكثر التوابل والشطة) والصعود خمسين طابقاً في ناطحة سحاب لتلييس الجدران !!!
عندما تخبرني بأن السعودية للسعوديين فقط ، فلتبدأ بالأبسط فالأعقد ، فإذا أثبتّ جدارتك في ما دون ، فقد تكون جديراً بما فوق الدون !! أما أن تنادي بطرد الأجانب وأنت لن تعمل مكانهم فهذا سيجعل من شوارعنا مرمى للنفايات ، وسيتعطل البناء والبيع والشراء والتدريس في المدارس الأهلية وغيرها لأن السعوديون يرفضون هذه الوظائف (الدنيا) ويرفضون رواتبها الأدنى !!


كما طالب مصمم الإيميل بحدّ أدنى للأجور ، وللحقيقة فهذه نقطة معقدة وعميقة وتحتاج لمقال منفصل للكتابة عنها .. فيجب ألا نفكر من زاوية واحدة وهي زاوية طالبي العمل ؛ بل يجب أن نفكر في انعكاسات هذا القرار على أصحاب الأعمال وخاصة أصحاب الشركات المتوسطة والصغيرة ؛ ثم نفكر في تداعيات هذا القرار وهذا الحد الأدنى للأجور إذا ماواجهت البلاد أزمة اقتصادية ، فهل نزيد الحد الأدنى بما ينفع المواطن ويضر صاحب العمل ؟؟ أم نترك الوضع على ماهو عليه ؟؟ لذلك أقول أن هذه النقطة معقدة ولا أظن أحداً يقنع الآخر برأيه ، على الأقل في الوقت الحاضر !!

ومن ضمن طلبات كاتب الإيميل طلب غير منطقي ولا يمكن تحقيقه !! ألا وهو عدم حصر الوظائف الفنية والمهنية والإدارية والطبية والقيادية على الأجانب !!! وهذا طلب غريب وغير صحيح .. لأن الأجانب إذا كانوا يحتلون بالفعل كل هذه الفئات الوظيفية فإن نسبة السعودة هي صفر فهرنهايتي ، والسعوديون لا يشغلون أي وظيفة في السعودية ، وهذا غير صحيح بالطبع !

وتقترب طلباته من النهاية عندما يطلب مراكز تدريب للشباب السعودي لتأهيلهم لوظائف تحتاجها المملكة ، إلى جانب تخصيص بعثات للشباب في تخصصات يحتاجها سوق العمل !! ولا أدري هل كاتب الإيميل غير سعودي أم سعودي ولكنه لا يعيش معنا !!!!!
فقد نشرت إحدى الصحف المحلية قبل أيام إحصائية رسمية عن مكتب العمل وصندوق تنمية الموارد البشرية ، أن 61% من الشباب الذين تم اختيارهم لوظائف ليتم تدريبهم عليها لا يحضرون لاستلام وظائفهم !! ولا حتى يردوا على جوالاتهم ويعتذروا !! يعني قمة المهزلة !!
إذا الشاب مو قادر حتى يتحمل الموقف و يرد ويعتذر عن الوظيفة ولو بالجوال ، كيف ممكن يتحمل أعباء وظيفة أو أعباء عمل !! ويقولوا اطردوا الأجانب ......... عجايب !!
وعلى الجانب الآخر فالبعثات موجودة ومنذ سنوات ؛ لكن الظاهر الأخ مشغول بإرسال الإيميلات وشنّ الحملات ومايدري إن البعثات قائمة على قدم وساق ومنذ سنوات تمتد لما قبل مولده ، عندما كان شباب الثانوية يبتعثون بعد تخرجهم على حساب الدولة ..
وموضوع البعثات أصلاً يحتاج أيضاً موضوع منفصل للحديث عنه .. وسيكون بإذن الله في مقال لاحق ..


وأخيراً وليس آخراً .. يطالب بإغلاق أي منشأة تقل نسبة السعودة فيها عن 50% !! هذا طلب غبي وظالم .... يعني لما أكون أنا كمواطن عارف إن الشركة مستحيل تطردني عشان لا تقل نسبة السعودة عن 50% عشان لا يقفلوها بالشمع الأحمر ، سألتكم بالله كيف حيكون أدائي في العمل ؟؟؟؟ قسماً بالله أنواع التفلت والاستهتار في العمل ، خلونا واقعيين في طلباتنا وفكروا من زاوية أصحاب الأعمال مو بس من زاوية المواطن ..


أما تهديده في آخر الحملة بالتشهير للشركات المعادية (التي لا تنفذ قائمة مطالبهم) فالتشهير ليس من سنة رسول الله ، وليس هو الحل بالتأكيد !!
وبيني وبينكم ، زرت موقعهم اللي بيقود الحملة .... موقع هزيل تحركه المشاعر والعواطف ومافي شي عملي و جاد لتغيير الوضع العام .. مجرد شعارات وهتافات وواحد يعرض يسوي استكرات للسيارات وواحد يعرض مدري ايش ... وحاجات غريبة لا تقدم ولا تؤخر .. ومادام الأمر عشوائي فسيظل جعجعة بلا طحن !
أما خاتمته بالدعوة لمقاطعتهم وعدم التعامل معهم أو الاستعانة بخدماتهم أو شراء منتجاتهم ؛ جعلني أشعر برغبة عارمة في حتة توست مدهون عليها زبدة ، لأن الموضوع ذكرني بالدنمارك !

السبت، 27 يونيو 2009

احنا حفظنا .. وهو فهم !

علي الشهري ..
شاب عشريني من منطقة عسير ، وافته المنية في حادث مروري وهو في طريق عودته من جدة إلى عسير بعد إجراء عدة فحوصات طبية ..
وسبب وجوده في جدة ابتداءً وإجراءه هذه الفحوصات ، هو نيته بالتبرع بكليته لشخص لم يلتق به في حياته !
ولا تنتهي القصة هنا .. بل تستمر المروءة والشهامة والكرم والإيثار وحب الخير في "علي" حتى وهو ميت ! حيث وجدوا في جيبه وصيته التي يلح فيها على ورثته المعارضين بأن يهبوا كليته لوجه الله لـ "فايز الأثلي" !!

في ظل وطأة المادية التي تعتري مجتمعنا الأصيل المعطاء ، أصبحنا نقف مشدوهين فاغري أفواهنا أمام قصص مماثلة ، وكأننا ماعرفنا الكرم ولا الإيثار يوماً !
أصبحت قصص من هذا النوع تثير مخيلاتنا وعواطفنا وكأنها قصص من ألف ليلة وليلة ..
وأصبح بعضنا يصف هذه الفئة بالأغبياء ، لأن هذا ليس زمن الطيبة والعطاء ، بل زمن الأخذ ، وإن كنت ستعطي فلتعطي الآخرين على "مؤخراتهم" أو أقفيتهم !!
صعدت هذه الأفعال والتصرفات بأصحابها إلى مصاف الأساطير والخياليين ، ونحن ملوك الكرم والعطاء ، والتاريخ الأدبي والشعري (القديم والحديث ، الفصيح والنبطي) يشهد بجودنا وكرمنا !! (يمكن كلام شعر بس ، مو حقيقة)

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن قامت الساعة و في يد أحدكم فسيلة ، فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها" السلسلة الصحيحة/9 .
وحين نقرأ وصية "علي" ندرك مدى فهم "علي" للحديث الذي كررناه مراراً وتكراراً ونحن صغار في الإبتدائية ، في الوقت الذي لم نتجاوز فيه مستوى حفظ الحديث !
الحديث يحثنا على فعل الخير وفعل ماينفع الناس ولو كانت في آخر ثواني العالم .. ونحن نتأفف من إعطاء ريال لطفل عند إشارة بحجة أنهم عصابات ، ونسينا أن الفسيلة لو زرعناها قد يأكلها عصابات !!
بمعنى : المفترض أن نفعل الخير ونرجو الثواب من الله ولا نبحث عنه بعد ذلك ، وليس أن نتحرى خط سير ريالنا "المشقشق" ونحكم على آخذه من شكوكنا فيه !

أعجب من "علي" وأعجب من كل من يتلف ملكية عامة أو خاصة بإهماله أو سوء استخدامه أو "استخساراً" أو بناء على قاعدة "شي مو لك جرّ أم أمه ع الشوك" وكأن الدنيا لن تزول وكأنه هو لن يزول !!!!

لله درك يا "علي" .. رحمك الله وأثابك فسيح فردوسه الأعلى ..
لن أعزي والديك بقدر ما سأهنئهم بحسن ترتبيتهم .. وشاب مثلك لا يـُـبكى عليه بقدر مايفتخر به حياً وميتاً ..
طبت يا "علي" .. طبت حياً وميتاً ..
اللهم اغفر له و ارحمه ، وعافه و اعف عنه ..
و أكرم نزله ، و وسّع مدخله ..
ونقـّـه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس ..
و اغسله من خطاياه بالماء والثلج والبرد ..

الاثنين، 22 يونيو 2009

حلوة يابلدي (3 والأخيرة)

عند مكتب تأجير السيارات سأل "حمدي" موظف المكتب : ممكن نأجر عربية بسواقها عشان يفرجنا على البلد ؟؟
رد الموظف بآلية : ممكن .
فسأل "حمدي" بحماس : وايه البرامج السياحية اللي عندكم ؟؟
فغر الموظف فاه بدهشة وهو يقول : يعني ايش برامج سياحية ؟؟
رد "حمدي" بحماس لم ينقطع : يعني السواق ياخدنا يفرجنا على المناطق السياحية والآثار والمتاحف ، وكدا يعني !
رفع الموظف أحد حاجبيه متوجساً الحذر من "حمدي" أن يكون هازئاً به ، وقال شارحاً : يا أستاذ أي آثار وأي متاحف بس !! هنا مافي غير مطاعم وأسواق ومولات .. وإذا بتحضر مهرجان طراطيع .. عفواً ألعاب نارية قصدي .. بس !
قال "حمدي" مجادلاً : يعني ايه مفيش آثار ! أنا قرأت كتير عن بلدكو وأكيد فيها آثار !!
رد الموظف بطفش منهياً هذا الجدال الوليد : لو انت تعرف مكان الآثار السواق يوديك ، أما لو ماتعرف مكان ماحيقدر يوديك أي مكان غير الأماكن المعروفة زي الأسواق وغيرها!!
وقبل أن يستمر "حمدي" في الكلام قال الموظف بسرعة : تحب سيارة كبيرة ولا صغيرة ؟؟؟
وفهم "حمدي" التصريفة بأن الموظف لا يريد مزيداً من الكلام الكثير الذي لا يسمن ولا يغني من جوع ! ولم يسأل حتى عن أي منشورات سياحية حتى لا يرميه الرجل بالدباسة الكبيرة على المكتب !

***

قرر "حمدي" أن يستقل وعائلته ليموزيناً لأقرب فندق محترم ، وبعدها يقرر وسيلة التنقل المثلى .
وفي استقبال أحد الفنادق الشهيرة بمدينة جدة ، تفاجأ "حمدي" بأسعار الغرف اليومية الذي يجاوز في بعض حالاته أسعار إقامة لمدة يومي نهاية الأسبوع في شرم الشيخ ! فأرجع ذلك بأنه موسم سياحة ، وإن لم يكن الفندق مزدحماً فعلاً بالسياح !
وبعد عشاء فاخر في أحد المطاعم الراقية على كورنيش جدة ، كان الجميع مرهقون من يوم حافل بالسفر والمفاجآت الغريبة التي لم يكونوا يتوقعونها ، من أسلوب الناس الجاف في التعامل وإن كانوا فعلاً خدومين ، إلى جانب الأسعار المرتفعة غير المبررة للفنادق والليموزينات ورسوم دخول المنتزهات والملاهي ، والوضع الغريب بوجود يوم للعوائل ويوم للشباب في بعض الأماكن والذي منعهم من دخول مدينة ملاهي لأنه كان يوماً مخصصاً للشباب ، فلم تكن لتفترق العائلة ليدخل "أحمد" وحده للملاهي ! إلى جانب ذاك الرجل الذي تعرض لـ "أحمد" بخشونة متهماً إياه بمعاكسة ابنته التي لم يظهر منها سوى كفيها وعينيها من خلف عباءة سوداء !
والحقيقة أن "أحمد" كان ينظر إلى الفتاة باستغراب وليس بإعجاب ، فهو لم يألف بعد أن تكون كل النساء متشحات بالسواد ولم يعرف السبب الحقيقي لذلك لثقافته الدينية والاجتماعية المتدنية .. ولكنه نال عقاب تلك النظرة بتوبيخ شديد من والد الفتاة جعله يتعلم أول درس سياحي في السعودية : لا تطالع وإلا فقعنا عينك !!

***

طال انتظار "حمدي" وعائلته على كورنيش جدة على أمل أن يجدوا ليموزيناً في هذا الوقت المتأخر من الليل ليقلـّـهم إلى الفندق . كان الزحام على الكورنيش شديداً وحركة المرور تكاد تكون متوقفة ، والجو السيء ضاعف من توتر الجميع !
ومن بعيد شاهد الجميع ذاك الليموزين المنقذ وهو يتجه إليهم ، ومن فرط تعبهم وتوترهم قفز الجميع من الرصيف إلى الشارع دون اتفاق مسبق ليوقفوا الليموزين !
واستغل سائق الليموزين وجهة "حمدي" وعائلته البعيدة نسبياً ، وطلب سعراً مهولاً كأجرة توصيل متحججاً بالزحام الشديد والوقت المتأخر ومنوّهاً بأنه لا يوجد ليموزينات حالياً !! حاول "حمدي" أن يصل لاتفاق مع السائق بأن ينقده أجره بناءً على عداد السيارة .. فاستغرب السائق هذا الاقتراح وأكد له بأن العداد لا يعمل ولا يستخدمه أحد أساساً !!
وهنا .. تكالبت كل الأمور على "حمدي" ، وتجمع تعبه وتوتره وعصبيته وحرارة الجو في قنبلة متوسطة الحجم ، فنزع فتيلها وانفجر في السائق قائلاً :
انت حتوصلني غصب عنك على حسب العداد ، وإلا حنادي لك بوليس السياحة يتفاهم معاك في السعر !!
اغتاظ الرجل من أسلوب "حمدي" الثائر ، ولكنه تمالك نفسه قائلاً بضحكة عصبية :
أي بوليس سياحة وأي أسعار !! احنا ما عندنا مراقبة أسعار ولا بوليس سياحة ولا عندنا سياحة أصلاً عشان يكون عندنا بوليس لها !! انت ايش اللي جابك من بلدك ياملقوف ؟؟ مسوي جاي تتمشى عندنا يعني ؟؟ أنا أصلاً ما اشتغلت في هذا الوقت من الليل إلا قاعد أجمع فلوس أسافر بها مصر ، وانت جايني هنا تتمشى ؟؟
ثم ضحك ضحكة مستفزة وهو يكمل :
روح بلغ بوليس السياحة بإن اسمي (....) وسيارتي (....) وإني ما أبغى أوصلك إلا بألفين ريال ..
ثم قذف ضحكة شامتة في أذني "حمدي" لم ينسها في اليوم التالي وهو في طائرة العودة إلى مصر مع عائلته .. وكان أكثر مايشغل تفكيره سؤال واحد : يا ترى ايه معنى كلمة ملقوف ؟؟

حلوة يابلدي (2)

خمس مقاعد في وسط الطائرة احتل أحمد أولها ، تليه شقيقته ثم أمه ثم قائد الرحلة "حمدي" .. وفي المقعد الخامس بجوار "حمدي" جلس رجل سعودي أربعيني ، تبدو عليه سمات الوقار .. وعندما أطفئت علامة ربط أحزمة المقاعد ، لم يستطع "حمدي" أن يتمالك نفسه من أن يلتفت صوب جاره السعودي معرفاً بنفسه بحماس ، شارحاً رحلته البطوطية هو وأسرته إلى السعودية !
ولم يغب عن السعودي محاولات "حمدي" للاستعراض بمعلوماته عن آثار السعودية ، وببساطة سأل السعودي : انت مين اقترح عليك تصيّف في السعودية ؟
رد "حمدي" بفخر : كانت فكرتي بصراحة ، لأن الآثار كتيرة في السعودية ؟
سأل السعودي باهتمام : وهل زرت آثار مصر كلها ؟؟
تلعثم "حمدي" وهو يجيب : مش كلها يعني ، لكن أدينا بننوع !!
رد السعودي بهدوء : السعودية كما تفضلت يبو أحمد فيها آثار كثيرة لكن ماحتعرف توصل لشي وحتعاني من عقبات كثيرة !!
ظهر التوتر في صوت "حمدي" وهو يقول : قصدك ايه يا أستاذ ؟؟
ابتسم السعودي بهدوء وهو يقول : أي سائح يحتاج أكثر من مجرد معرفته بتاريخ وآثار بلد معينة .. بمعنى ، لا يكفي يا أستاذ حمدي إنك تعرف إن فيه أثر معين في الطائف ، أو أثر آخر في الرياض أو المكان الفلاني ، لازم يكون عندك مرشد سياحي .. أو على الأقل كتيب إرشاد سياحي .. وهذي الحاجات للأسف من الرفاهيات اللي لا المواطن السعودي ولا السائح الأجنبي بيلاقوها !
توتر "حمدي" وتسارعت كلماته مدافعاً : بس أكيد سواقين التكاسي عارفين برضو لو قلت لهم !
لم تفارق السعودي ابتسامته وهو يقول : سواقين التكاسي ممكن يودوك عنوان انت توصفه لهم بالمللي .. أو يودوك فندق معين أو ماشابه .. لكن تقول له آثار !!!! ما أظن .. هذا غير إن بعض مناطق السعودية اللي انت مخطط تروحها مافيها تكاسي أصلا !
اتسعت عينا "حمدي" في ذعر وهو يردد : مفيش تكاسي !!!! طب نأجر عربية أو ناخد مواصلة عامة .. ولا ماعندكمش ؟؟؟
ضحك السعودي ضحكة قصيرة وقال وباصات خط البلدة تمرّ بمخيلته : تقدر تأجر سيارة يا أستاذ حمدي ، لكن حنرجع للمشكلة الأولى ، يلزمك دليل سياحي أو كتيب إرشاد سياحي ! وبالنسبة للمواصلات العامة فما عندنا غير التكاسي ، ومثل ماقلت لك مو في كل المدن ! يعني لا باصات ولا قطارات ولا أي شي !
ازداد إحباط "حمدي" عندما أكمل السعودي : وبعدين حتى لو معاك سيارة ومعاك كتيب سياحي ، وارد جداً إنك تمر من جنب الأثر أو المعلم وماتعرف إنك مريت من جنبه ، لأنه ببساطة مو مكتوب عليه أي لوحة تعريفية أو حتى تحذيرية إنه أثر ! وهذا طبعاً لو كنت محظوظ ولقيت في الشوارع أي لوحة إرشادية توضح أماكن واتجاهات الآثار والمتاحف !!
كاد "حمدي" أن يهتف بسائق الطائرة أن ينزله هو وأسرته في أي حتة على جنب ، لولا أن تذكر فجأة أنه ليس هناك سائق طائرة وإنما كابتن طائرة ، وأنهم في الجو وبالتأكيد مفيش أي حتة على جنب !

***

أول مالاحظته "أم أحمد" عند وصولهم لمطار جدة حالة جمود عضلات الوجه عند السعوديين العاملين في المطار ! أو بمعنى آخر ، حالة العبوس وعدم الابتسام ، والتي تستطيع رؤيتها في جميع الوجوه ، وكأنه وباء جماعي أو نوع من انفلونزا الابتسامات أصاب الكل فأصبحوا لا يبتسمون !!وتذكرت أبناء جلدتها الذين ما أن تطأ أرض مطارهم في مصر ، حتى يبادر الكل للابتسام في وجهك وترديد العبارة الشهيرة "كل سنة وانت طيب يابيه" ، "كل سنة وانتي طيبة يامدام" .. فهي وإن كانت عبارة تزلفيّة واضحة من فصيلة شفاطات العملات ، ولكن تظل الابتسامة موجودة ومزيلة للتوتر ..
وخاطبت "أم أحمد" نفسها قائلة : هو عندهم مصيبة في المطار والا ايه !! مالهم مبوزين كدا ؟؟
أما "حمدي" فحاول استكشاف النفوس وطبائع الناس عندما خاطب رجل الجوازات مبتسماً بتودد : ألاقي فين مكتب سياحي ممكن نأجر منه عربية أو ناخد منه عربية بسواقها عشان يفرجنا على البلد ؟؟
رد رجل الجوازات بأدب ولكن بنفاد صبر ودون حتى أن ينظر إلى "حمدي" : مافي مكاتب سياحة ، لكن اطلع من بوابة الصالة وروح يسار بتلاقي شركات تأجير السيارات .
شكر "حمدي" رجل الجوازات ، وإن أحس في نفسه بحرج واستغراب من هذا الأسلوب الجاف ، ولكنه صبّر نفسه بأن الحال في مصر ليس بأفضل منه في السعودية ! ولكنه بدأ يصدق كلام الرجل السعودي من الطائرة بأنه لا يوجد فعلاً مكاتب سياحية !!!
وبدأت رحلة "حمدي" وعائلته ..

يتبع ...

الجمعة، 19 يونيو 2009

حلوة يا بلدي (1)

تهلل وجه "حمدي" فرحاً وهو يطالع شهادة آخر العام لابنه "أحمد" ، الحاصل على تقدير ممتاز وأحد المراكز المتقدمة على مستوى الجمهورية في اختبارات الثانوية العامة ..
ونفضت "أم أحمد" الشقة بـ "زغروطة" (غطرفة) مفاجئة واحتضنت "أحمد" ودموع الفرح تتلاحق على وجهها ..
ومن بعيد قدمت "زهرة" شقيقة "أحمد" وكلها ترقـّـب لقرار والدها ، الذي وعدهم بمفاجئة مذهلة إن هم نجحوا في اختبارات هذا العام ..

<حنروح السعودية>
نطقها الأب بنبرة مترقبة لردود أفعال أبناءه ، الذين فرحوا جداً بقرار أبيهم ..
ليس بذهابهم إلى السعودية ، وإنما لفكرة خروجهم من بلادهم وسفرهم للخارج لأول مرة ، مما سيجعل هناك مجالاً للتفاخر أمام الأقرباء والأصدقاء بكونهم أول من يسافر في محيطهم الاجتماعي !

***

عندما انفردت "أم أحمد" بزوجها أعربت عن استغرابها من اختياره للمملكة السعودية لقضاء إجازة الصيف ، وذكرته بأول سفر لهم للسعودية منذ مايقارب التسعة عشر عاماً لقضاء فريضة الحج ، وكيف أنه بلد لا سياحة فيه ولا مكان تذهب إليه !
أزال بعض قلقها - أو حاول - بقوله أن ذاك كان منذ مايقارب العقدين من الزمان ، أما الآن فيكفي أن تنظري للحرم في التلفاز ومدى توسعته والتخطيط له ، لتعلمي مدى تقدم السعوديين ..
ذكرته "أم أحمد" بأنها لم تسمع في حياتها عمّن سافر إلى السعودية لقضاء الصيف أو حتى أي فصل من فصول السنة !
فلا إعلانات عن السفر للسياحة في السعودية ، ولا وكالات سياحة بها برامج سياحية ، ولا حتى أي أخبار عن قريب أو بعيد زار السعودية واستمتع بقضاء إجازة فيها ، إن لم تكن إجازة دينية بين مكة والمدينة !
فأكد لها أنه قرأ الكثير من المعلومات عن السعودية ، واهتمامها بالسياحة والآثار ، وجهود هيئة السياحة والآثار السعودية .. وذكرها بالآثار التي تحتضنها أراضي السعودية والفرصة الرائعة لرؤيتها ، بدءاً من مقام إبراهيم والحجر الأسود في مكة ، مروراً بقبر رسول الله والبقيع وجبل أحد في المدينة المنورة ، ومروراً بأرض بدر خارج المدينة ، والتي شهدت أول معارك المسلمين ..
ولعل الفرصة تواتيهم ليروا مدائن صالح ، أو على الأقل ليزوروا مسجدي عداس و ابن عباس الأثرييْن في الطائف ، وسد سيسد المبني في عهد معاوية بن أبي سفيان .. وسيكونون من المحظوظين إن استطاعوا أن يجدوا فوجاً سياحياً ينزل بهم إلى رجال ألمع ليروا بقايا حكم العثمانين ، أو الفاو ليروا مثال المدينة العربية الكاملة قبل الإسلام .. وبالتأكيد يجب المرور على جزيرة تاروت التي عـُـثر فيها على آثار تعود لما قبل الميلاد .. وقصر إبراهيم وقصر خزام في مدينة الهفوف ، وبما أنهم سيزورون الهفوف فبالتأكيد سيزورون مسجد جواثا الذي بـُـنيَ في السنة الثانية من الهجرة .. ولن تنتهي الإجازة في تيماء ، وسيكون للمتاحف نصيب من الزيارة !

فغرت "أم أحمد" فاها متعجبة من هذا السرد الأثري التاريخي ، وتخيلت إجازتها مع أطفالها للمرة الأولى منذ أمد ، تكون بين عبق الماضي ورائحة الأموات وجدران لا تنطق !! كان الأمر ممتعاً في جانب منه ، أما أن تكون إجازتها كلها آثار ، فهذا ما لن تحتمله أعصابها ..
ولم تستطع "أم أحمد" أن تمنع نفسها من السؤال : <عندهم سينما !!!!>
أجابها مسرعاً : <طبعاً عندهم ، وفيلم مناحي مكسر الدنيا .. وبعدين احنا عندنا سينما هنا !>
سألت ثانية : <و ايه أخبار المسرح عندهم ؟؟>
تردد قبل أن يقول : <معنديش فكرة !>
غمغمت بغيظ : <و اشمعنى دي اللي معندكش عنها فكرة !!>

***

دخل "أبو أحمد" وعائلته لمطار القاهرة ، وفي الوقت الذي تكونت فوق رأسه غيمة وردية عن كمّ معلومات الآثار التي سيتلقاها من زياراته المتعددة لها ، تكونت غيمة من نفس اللون فوق رأسي ابنيه عن رحلات البحر ومدن الملاهي و ... تكونت غيمة سوداء فوق رأس "أم أحمد" عن هذه الإجازة المشؤمة السوداء !
لم تدر لماذا لم يرتح قلبها لهذا السفر ، وازداد عدم ارتياحها عندما رأت كمّ السعوديين القادمين من السعودية تشقق البسمة شفاههم ، وقليل من السعوديين العائدين مكفهرة وجوههم !!!
وانقبض قلبها في ضيق !!

يتبع ...

الثلاثاء، 16 يونيو 2009

السينما السعودية

طالعتنا الصحف منذ أيام بخبر تجمهر بعض الناس أمام مركز الملك فهد الثقافي بالرياض ، أثناء عرض فيلم "مناحي" ! والتجمهر لم يكن احتفالاً ، بل اعتراضاً على ما أسموه الخطوة الأولى في طريق السينما .. حيث أصرت الفئة المتجمهرة على الدخول بالقوة لتقديم النصح والإرشاد إلى الفئة الضالة في نظرهم ، وهي فئة السينما بالتأكيد !

نقاط عدة وردت في ذهني بمجرد قرائتي لهذا الخبر :
1- منذ متى يكون النصح والإرشاد بالقوة ، والله سبحانه وتعالى نوّه في القرآن بالموعظة الحسنة ؟؟
2- هل يعي هؤلاء المتجمهرون أن في السعودية محلات مرخصة لبيع أفلام الفيديو ؟؟ أين هم عن النصح والإرشاد ولو حتى في وسائل الإعلام عن هذا الموضوع ؟؟
3- محلات بيع أشرطة الأغاني وحفلات الغناء التي تقام سنوياً في جدة وأبها والرياض لم تتعرض لما تعرض له فيلم "مناحي" ! فهل سماجة مناحي وقعها أقوى دينياً واجتماعياً على السعوديين من كلمات الأغاني والحفلات التي تستمر لساعات الصباح الأولى ؟؟ أين المتجمهرون عن ذلك ، خاصة في ظل فتوى الأئمة الأربعة وحتى عند بعض المذاهب الأخرى بمحرومية سماع الأغاني ؟؟ هل نغضّ الطرف عن ما وردت فيه الفتوى ، ونتجمهر ونفسـّـق مالم تصدر فيه فتوى لمجرد أن فئة "لم يعجبها الحال" ؟؟
4- ماهو الضرر الحقيقي من افتتاح دور عرض السينما ؟؟ فالناس الآن يتابعون الأفلام في البيوت وفي دور عرض مصغرة مقولبة في شكل مقاهي ومطاعم (يوجد منها في منطقة البلد في جدة) .. إلى جانب تحميل الأفلام والمسلسلات الأجنبية من النت .. وبعض من أعرفهم ممن يصفون أنفسهم بالملتزمين دينياً يمارسون هذا التحميل من النت (يعني غير ذنب الفرجة على شيء قد يكون غير جائز ، فهم يخالفون حقوق النشر) !! كل هذا يدل على أن التجمهر لم يكن من أجل فكرة السينما بحدّ ذاتها ، وإلا لوجدت كل هؤلاء يقومون بإحراق وإتلاف محلات الفيديو والدشوش .. وهذا يقودنا للاستنتاج الآخر المنطقي ، وهو معاداة فكرة السينما بحجة الاختلاط !! وهذا يقودنا للرقم "5" .
5- الناس الآن مختلطون في الأسواق وخاصة مطاعم الأسواق أو مايسمى بالـ "فوود كورت" والمتنزهات والملاهي والطائرات (حتى السعودية) وحفلات الألعاب النارية وفي مهرجانات الأسواق ، حيث الكل يرسل أطفاله للمشاركة وسط التجمهر الجماعي للنساء والرجال .. إذاً الاختلاط في السينما هو نفسه الاختلاط في هذه الأماكن العامة ، ومن دخل داراً لعرض الأفلام يعرف ذلك .

ولنتحدث عن تجربة الدول العربية في السينما . سافرت لعدة دول عربية بها دور سينما وكان الوضع الطبيعي لأي أسرة تدخل لتشاهد الفيلم أن يجلس رجال الأسرة على طرفين ، حاصرين نساء الأسرة بينهما ، أو العكس ، بحيث يكون الحاصل أن يجلس الرجال أو النساء على الأطراف بجانب رجال مثلهم أو نساء مثلهن .. ولم يكن يحتاج الأمر لمنسق للأمر أو "مضيف" مثل الخطوط السعودية لترتيب الجلوس ! وعند بدء عرض الفيلم لا أحد يتكلم إلا من همسات أوتعليقات على الفيلم والعيون كلها على شاشة العرض ، ولا أحد يتجرأ - وأقولها بثقة - لا أحد يتجرأ على فعل شائن خشية بطش المنسقين (المتواجدين من إدارة السينما بالتأكيد) وخشية بطش الناس أيضاً الذين ستأخذهم الحميّة ضد أي مارق خارق للقوانين و"سيعجنونه" تحت أقدامهم ، فليست الحمية والغيرة مقصورة على السعوديين !

حضرت قبل أسابيع محاضرة في غرفة جدة ، وفي آخر المحاضرة استشهد المحاضر بقصة حقيقية تم تمثيلها في فيلم هوليوودي . وببساطة قام بتشغيل الفيلم الأمريكي على كمبيوتره الشخصي ، ناقلاً الصورة على شاشة عرض كبيرة ! وبالطبع استدعى الأمر أن تطفأ الأضواء إلا من نور خافت .. كنت جالساً في الصف الثاني ، وفي أثناء عرض الفيلم التفتُ خلسة إلى الخلف لأرى ردود فعل الناس ، فإذا الكل "منتبه و متابع" ولا شيء يثير الريبة ، مع أن أكثر الحاضرين في سن الثلاثين فما دون ، والرجال يتقدمون صفوف النساء .. ولكثرة الحضور النسائي اضطر المنسقون لتقسيم القاعة طولياً وليس أفقياً .. بحيث أصبح الرجال والنساء يجلسون على مستوى واحد ، لو لوى أحدهم عنقه لرأى جنساً آخر ! ومع ذلك لم يحدث مايجعلنا نخاف ونهلع من فتح دور السينما !!

لعلّ المتشائمين سيقولون لن ننتظر ليحدث شيء ما لنغلق دور السينما .. فأقول لهم : لن يكون الاختلاط في دور السينما أشدّ منه في الأسواق ، ولن يكون الكلام بين الرجال والنساء في السينما أشد منه بين البائع والزبونة ، فالكل في السينما سكوت !
ولو كان الاعتراض شرعياً من حيث الاختلاط ، فمواقف كثيرة مثل التي ذكرناها آنفاً فيها اختلاط أكبر ! ويكفي حضور كل امرأة مع محرمها لينتهي الأمر .. وللعازبين والعازبات يكفي تخصيص وقت محدد للشباب على حدة وللنساء على حدة كما يحصل في ملاهي الشلال ..

بعد كل هذا التفصيل في الحقائق ، ماهو المانع الحقيقي لبدء افتتاح دور سينما سعودية ؟؟
هل هو مانع شرعي أم مانع اجتماعي ؟؟

الاثنين، 15 يونيو 2009

من 1 إلى 10

"فلنستخدمها بدلاً من العدّ من واحد إلى عشرة" ..
هكذا أنهى زميلي في الألم وفي العلاج الطبيعي وفي مسبح المستشفى حديثه معي اليوم ، منتزعاً نظرة تقدير من عينيّ وإبتسامة إعجاب من شفتيّ ..

بدأ حواره فجأة دون مقدمات قائلاً :
نحن نستخدم العدّ من واحد إلى عشرة في كل تمارين العلاج الطبيعي كتكرار ..
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أحب الكلام إلى الله أربع : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر" ..
ثم أردف قائلاً : "فلنستخدمها بدلاً من العدّ من واحد إلى عشرة" ..
أنهى كلامه ببساطة كما بدأه ببساطة ، ولم ينتظر حتى تعليقاً مني !
فقد بدأ فعلاً بالتسبيح والحمد والتهليل والتكبير والتمرين !!!
وبصراحة .. إلى الآن لا أملك تعليقاً على ما قال أصلاً !

جزاه الله كل خير .. علمني درساً رائعاً ..

الأحد، 14 يونيو 2009

تعودنا ونسينا

قبل سنين كثيرة كان امتلاك أحدهم لراديو في منزله ، كمن يمتلك شيطاناً رجيماً يتحدث من داخل علبة حديدية !
وكلنا يملك بعض قصص كبار السن عن رجال الهيئة - الحسبة آنذاك - الذين يمرون بالبيوت ويكسرون الراديو في عقر البيوت بحجة أن الشيطان يتحدث من داخل الحديد !
ثم تناسى الكل الأمر واعتادوه ..

وقبل سنين معدودة كان مجرد امتلاك أحدهم لصحن استقبال فضائي (الدش) يعتبر جريمة اجتماعية وأخلاقية ... ودينية في نظر بعضنا !
ولم يكن من المستغرب أن تجد بعض الرجال فوق بعض الأسطح يحملون مسدسات ويطلقون رصاصاتها باتجاه الدشوش ..
ثم تناسى الكل الأمر واعتادوه ..

ثم ظهرت الجوالات ، وأصبح كل حامل للجوال ملعون و "صايع" وابن ستين في سبعين ..
وتدهور الأمر مع ظهور جوال الكاميرا ، وأصبح الكل يتنبأ بزمن الفضائح .. وأعرف الكثيرين الذين قرروا منذ ظهور الجوال أن يمنعوا نسائهم من أخوات وبنات وحتى أمهات من شراء الجوال .. وتعدل القرار بعد ظهور جوالات الكاميرا ليصبح أنه لا مانع من الجوال مادام لا يحوي كاميرا في "مؤخرته" !
والآن .. نفس الأشخاص الذين حرموا نسائهم من الجوالات أولاً ، ثم أباحوها لهم بدون الكاميرات ثانياً .. هم نفسهم الذين يشترون جوالات الكاميرا لنسائهم في المناسبات وأعياد الميلاد والفالنتاين وعيد "التناقض" وعيد "الوصاية الجماعية" !
ثم تناسى الكل الأمر واعتادوه ..

والآن .. لا يزال هوس الوصاية الجماعية والخوف من الأسوأ و حجة "سد الذرائع" هي العائق أمام السماح لقيادة المرأة للسيارة ، وستظل عائقاً أمام كل جديد في المجتمع ..
لن أقول بأن المرأة تقود السيارة في القرى والصحاري ربما من أقبل أن أولد ، و ربما باحتراف اكثر مني أيضاً !
ولكن سأقول : لماذا هذا المنع قبل أن يولد الشيء ؟؟؟ لماذا يصيح بعضهم مندداً بكل شيء يطلبه الشعب متخذاً من الدين بوقاً لردود أفعاله وقراراته ؟؟ لماذا نتوقع الأسوأ دائماً ؟؟ لماذا سوء الظن بشعبنا عامة ، وبشبابنا خاصة ؟؟ لماذا هذا الهلع والرفض الجماعي !
ربما أُسيء استخدام كثير من التقنيات - ولايزال وسيظل - لكن هذا لا يعني المنع الجماعي .. ومسألة سد الذرائع لا تصلح رداً على كل مسألة يواجهها الشعب ، خاصة إذا لم يكن هناك مانع ديني أو اجتماعي (مع وجوب ذكر أننا نحن كشعوب من نفرض هذه الاجتماعيات وليست الاجتماعيات من تفرض نفسها علينا) !

استأنا من الراديو سابقاً ، ومن الدشوش ، ومن الجوالات ثم جوالات الكاميرا ، والآن من قيادة المرأة !
الأمور السيئة تحصل سواء بوجود تقنية أو عدمها .. وهذه سنة الله في الكون أن نخطأ ونستغفر ونتعلم الخطأ ونقنن القوانين لضمان عدم تكرار هذاالخطأ ، ثم نطور قوانيننا مع كل خطأ جديد .. وهكذا تتقدم الدول !
أما أن نمنع كل شيء جديد بحجة سد الذرائع فهذه حجة سامجة باردة غير مستساغة ، تشعر المرء بأنه مهما تعلم و سافر و جرب واختلط وتثقف ، فإنه لا يزال تحت وصاية المجتمع المدني وقوانينه (التي وضعناها بأنفسنا) وأنه لا طائل من هذا العلم ولا هذه الثقافة ولا هذه الحرية في الرأي ولا هذه الحرية في الصحافة مادامت كل الآراء يضرب بها عرض الحائط بكل بساطة ، ومادام بعضنا يصدر قراره من منظور شخصي تربى عليه واعتنقه ، وليس من منظور اجتماعي مدني متفتح مرن يناسب مجتمعنا ولا يخالف شرع الله في المرتبة الأولى !

ما أسوأ مايمكن أن يحصل لو قادت المرأة السيارة ؟؟؟ تحرش ؟؟ اغتصاب ؟؟؟ وليكن .. أتخبرني أنه لا تحرش ولا اغتصاب حالياً بداية من السائقين الأجانب وانتهاء بشباب عاطل متسكع !! فلتكذب على غيري !
أتخبرني أننا بقرار المنع نقلل من حوادث التحرش والاغتصاب ؟؟ أقول لك وما أدراك بأنها ستزيد أم ستنقص ؟؟
لا تزيد التقنية من شيء ، فالسيء والأسوأ في كل زمان ومكان ، بل في أشرف زمان وأشرف مكان ، في مدينة رسول الله في عهد رسول الله .. ألم يكن هناك زنى وشرب للخمور وربا وانتهاك للحرمات ، وما إلى ذلك من الذنوب ورسول الله بين ظهراني أشرف خلق الله بعد الأنبياء ؟؟؟

لا تفكر في القرار من منظورك الشخصي ، بل فكر في حاجة أسر ليس لها عائل لمثل هذا القرار ..
فكر في كل مطلقة وأرملة وكبيرة في السن لا تجد من يقضي حوائجها .. هل وجود سائق يقضي مصالحها أهون وأضمن من قيادتها للسيارة ؟؟ أنت بذلك كمن يقول : أضمن السائق الأجنبي على أهلي ولا أضمن الشباب السعودي على أهلي ! ولا يقاس الأمر بهذه الطريقة ابتداءً !
إن كنت تخشى على أهلك الضرر ، فببساطة لا تشتري لهم سيارة .. لكن لا تلغي تفكيرك وتلغي فكرة ستحل مشاكل كثيرة اقتصادية واجتماعية وأسرية لمجرد أنك تراها بمنظورك السلبي الذي يرى أن كل الأمور سيئة إلى أن يثبت العكس ! ولن يثبت العكس أبداً طالما أن الأمور تقتل في مهدها !!!

ماذا نحاول أن نمنع هنا ؟؟؟ الذنوب ؟؟ وهل يحتاج العاصي لسيارة لينفذ مآربه ؟؟ لم يحتج قوم لوط (كمثال) لسيارات ليتحرشوا بضيوف نبي الله لوط .. وسيظل الناس يذنبون مادامت السماوات والأرض .. ارفعوا عنا هذه الوصاية الجماعية فقد سأمناها ، وأنتم يامواطني السعودية لا ترفضوا كل جديد حتى تجربوه وتوقنوا من عدم جدواه أو بأغلبية مساوئه على محاسنه .. فأنتم بذلك كمن يرفض أن يقود أي سيارة غير سيارته متحججاً بأن سيارته هي الأفضل وستظل الأفضل !

تعقيب شخصي : لو أتيحت الفرصة للنساء لقيادة السيارة ، فسأعلم زوجتي مستقبلاً إن شاءالله القيادة ..
ليس شرطاً أن أعطيها سيارة ، ولكن يكفي أن أعلمها لتزيد ثقتها بنفسها ، وعلى أسوأ تقدير يكفي أن أعلمها القيادة لحالات الطوارئ ..
وتذكر .. كما رفضنا كل تقنية جديدة سابقاً ثم اعتدنا الأمر ونسيناه ، أتمنى أن يأتي اليوم الذي نجرب فيه كل شيء جديد (وليس قيادة المرأة فقط) دون قيود و دون رفض بما لا يخرجنا عن حدود شرعنا .. ووقتها فقط أقول : اعتادوا على الأمر وانسوه ..

السبت، 13 يونيو 2009

دعوة للتحاسد !!

كان "سالم" يمدّ أهل قريته بما يلزمهم من عربات للتنقل ..
كان يشتريها من قرية مجاورة ، ثم يبيعها لأهل قريته مكتسباً فيها ما جاد الله به عليه ..
وبغضّ النظر عن مايجنيه سالم من المال ، فإن أحداً لم يسأله يوماً بكم اشتريتها ولا كم تجني من ورائها ..

وفجأة ألمّ بقريته قحط وجفاف مفاجئ ، وتفشـّـى الغلاء في القرية ..
وسارع التجار برفع أسعار بضائعهم .. لكن سالم لم يغير أسعاره .. واكتفى بنفس المبلغ الذي كان يتقاضاه أيام الرخاء ..
وثار الناس ، وهاجوا وماجوا .. وطالبوا بمحق وإقصاء الظالم القاسي "سالم" .. وطالبوا بكل مايلحق الضرر بتجارة "سالم" ..
ولم يفهم "سالم" هذه العداوة المفاجئة ! ولم يفهم سبب تكالب الناس عليه وهو الذي لم يزد أسعاره !! ولم يفهم سبب سكوت الناس عن أصحاب التجارات الأخرى وقد زادوا أسعار بضائعهم !!
ومازال "سالم" إلى الآن يتعرض لشرور الناس .. والله وحده يعلم كيف سينتهي به الحال ..
انتهت القصة

عزيزي قارئ المقال ..
هذه القصة القصيرة تمثل وضع إحدى الشركات السعودية .. بل إحدى الشركات الرائدة في السعودية ..
إحدى الشركات التي كانت - ولا تزال - محطّ إعجاب وتقدير الناس بخدماتها الرائعة والمميزة ..
جاءت الأزمة الاقتصادية العالمية الأخيرة ، فهبّ الكل لرفع أسعار بضائعهم .. وكان قائد هذه الشركة من القلائل الذين لم يرفعوا أسعارهم ..
تعرض فجأة لتيارات قوية من التشهير والإقصاء والبحث والتقصي والحقائق الكاذبة والملفقة و ... و "الحسد" !!

نعم .. الحسد .. في حياتي لم أجد أحداً يتعرض لحملة قوية جماعية للحسد مثل شركة عبداللطيف جميل المحدودة !!
حملة كاملة بعنوان "خلوها تصدي" استهدفت إيميلاتنا ومنتدياتنا بصورة غثيثة مقيتة ، توضح مدى حقد الناس وحسدهم وعدم تمنيهم الخير لغيرهم !!
لم يلتفت أحد لـ "البيك" عندما زاد أسعار وجباته .. ولا "الطازج" الذي وصلت زيادة أسعاره لخمسة ريالات دفعة واحدة ليقفز السعر لخمسة عشر ريالاً على "حتة فروج منتف" .. ولم يلتفت الناس لكثير من زيادات الأسعار ، ووجهوا طاقاتهم بأكملها على السيارات .. وسيارات عبداللطيف جميل تحديداً !!
إيميلات طويلة ومكررة وصلتني ، توضح سعر السيارة في اليابان وسعرها في السعودية .. ومكسب الشركة منها .. وأن فلان قد خاطب المسؤولين في اليابان وتأكد منهم ... و و و إلخ !!
ماهذا الحسد ؟؟ ماهذه البغضاء ؟؟ ماهذا السواد في القلوب ؟؟
ياعزيزي محد أجبرك تركب سيارة جديدة موديل 2010 !! المعارض والسيارات المستعملة مليااااااااااانة .. وعلى قد لحافك مد رجليك !

سؤال أوجهه لبادئ هذه الحملة النتنة القذرة : هبْ أنك صاحب تجارة أو صاحب موهبة نادرة .. وانتهى بك الحال أن تكون مطلوباً أو تكون بضاعتك مطلوبة في كل مكان .. وبالتالي ستزداد قيمتك أو قيمة بضاعتك في السوق .. وصادف كل ذاك أن تكون الكرة الأرضية بأسرها تمرّ بأزمة مالية .. سؤالي هو : هل ستقول أخفض من أسعاري مساعدة لشعبي الفقير المطحون المسكين ؟؟؟ أم ستزيد أسعارك محاولاً تحقيق أكبر ربح ممكن من هذه الأزمة ؟؟؟
أقول "كذاااااااااااااااااااب" بالفم المليان لكل من يقول سأخفض أسعاري ..

كل من اشترى أسهم و روّج إشاعة لرفع سعرها وبيعها ..
وكل من اشترى مكينة "سنجر" وضحك على السذج والبسطاء بحكاية الزئبق الأحمر ليبيعها بأسعار خيالية ..
كل هؤلاء وغيرهم لم يراعوا أزمة مالية ولا أزمة يحزنونية .. وكل ما أهمهم أن تزداد أرصدتهم بالبنوك ..
والمشكلة أن نفس هؤلاء الأشخاص قد يكونوا من مطالبي عبد اللطيف جميل بتخفيض أسعاره !

يا ناس ادعوا للرجل بالبركة وقولوا الله يزيده ويفتح علينا ويعطينا .. ومحد ضربك على يدك وقال اشتري من عنده !!
ومحد ضربك على يدك وقال لك غيّر سيارتك الحين !!
وأنت يا أخي .. وأنتِ يا أختي .. راقبوا ما ترسلونه في إيميلاتكم وماتنشرونه في المنتديات ..
فكـّـر للحظة وأعمل هذا العقل المعطل .. وميّز بين الغث والسمين .. وبين مايستحق الإرسال ومايستحق الحذف ..
مو كل ماجاك إيميل يقول انشر تقوم تنشر زي الذيب .. افهم أول شي ايش الموضوع .. ولا تاخذك الحماسة وتنجرف وراء مشاعرك .. زن الأمور بميزان العقل وبمنظور المبادئ الإسلامية .. لا ضرر ولا ضرار يامسلمين !

اسأل نفسك سؤالاً واحداً : لو كنت مكان عبداللطيف جميل وتعرضت لهذه الحملة الشرسة ماذا ستكون رد فعلي ؟؟
ألن تسأل نفسك وقتها : لماذا هذه الحملة القذرة لإيذائي ؟؟ ولماذا أرى حملة كاملة للتحاسد ؟؟ ولماذا يتمنى الناس زوال نعمتي ؟؟

قبل أن توجه اللوم لمن لم يخفض أسعاره يجب أن تتعلم أن تعيش "على قدك" وعلى قد مواردك ..
لا تتوقع تقدر تعيش وانت راتبك 4000 أو أقل وعندك جوالين وسيارة قسط وفواتير كهرب وموية ، غير إنك كافل لك واحد ولا اثنين في سيارات .. وغير إن حضرتك لازم تصبح ريقك المصدي على فرابتشينو زي عيال الذوات ، وكل يوم وانت متكي في قهوة شكل .. وتتفشخر وماتطفح غير في أغلى المطاعم وتجيني نص الشهر أو يمكن حتى ثلث الشهر وأنت مفلس !! وفجأة يطنّ في راسك تغير سيارة .. فتبدأ تلعن في كل التجار ومنهم عبداللطيف جميل إنهم ماخفضوا الأسعار !!!

ملاحظة : لا أعرف أحداً من أسرة عبداللطيف جميل ولا من معارفهم ولا أقاربهم .. وهذا المقال بأكمله لوجه الله ودفاعاً عن عرض وتجارة رجل والذب عنه .. عسى الله أن يدافع عنا ويذب عنا ..
والله المستعان ،،

الخميس، 11 يونيو 2009

يوم في حياتي (الأخيرة)

خرجت من المستشفى لأوقف أحد التكاسي ليقلــّـني للبنك ..
ودون أن أروي لكم كلام السائق الآسيوي ، يكفي أن أخبركم أنها نسخة آسيوية شرقية من كلام السائق العربي الأفريقي !
وعند توقفي أمام البنك وجـّـهت للسائق سؤالاً أخيراً : انت كم لك تشتغل في السعودية ؟؟؟ أجابني : 25 سنة !!رددتُ عليه مداعباً : ياراجل !! انت سعودي أكثر مني هههههه ..التفت إليّ سائلاً : انت سـِـنو جنسية ؟؟ أجبته ببساطة : سعودي !!التفت الرجل إليّ بذعر شديد وهو يلقي على مسامعي سيلاً من كلمات الأسف والاعتذارات .. لم أرد عليه وقابلت سيل كلماته بابتسامة بسيطة ، وتوجهت للبنك !!
***
في البنك تم إلغاء خاصية الأرقام ونظرية الطوابير من أجل سواد عيوني .. لا ، لا ... لحظة .... بل من أجل أنني على عكازين ..
رأف الكل بحالي وقدموني على أدوارهم ، ولم يكن موظفو البنك بحاجة لسماح الناس لي بالتقدم عليهم من عدمه .. حيث بدأوا بخدمتي فعلياً دون الالتفات لزحام الناس .. ولأكون صريحاً فقد شعرت بـ "قليل" من الحزن على الناس لأنني تخطيت أدوارهم ، وبـ "كثير" من الراحة لأنني لن أقف منتظراً دوري كثيراً في ظل حالتي الصحية الراهنة ..ولكنني فكرت جدياً في الاحتفاظ بالعكازين في سيارتي المستقبلية للطوارئ ، بعد أن يشفيني الله عز وجل .. فلا تدري متى يصادفك زحامٌ ما ، ولعلك تستطيع أن تستجدي عواطف الناس بعكازين اثنين ولحية مبعثرة فيقدمونك على أدوارهم !
***
انتهيت من عدة مشاوير ، ووقفت في الشارع منتظراً آخر تاكسي سأراه اليوم ليقلــّـني إلى بيتي ..ولدهشتي ، وفي نفس لحظة وقوفي على الرصيف ، توقف آخر شخص كنت أتوقع رؤيته من جديد .. سائق التاكسي ذو النسخة الآسيوية من حديث الأفريقي !! صدفة عجيبة أعادت لي جشوني في دراسة مادة الإحصاء والاحتمالات ..بمجرد أن رآني توقف دون حتى أشير إليه ، ورمى بسيجارته في الشارع احتراماً لي ، أو هكذا خــُيــّل إليّ .. لكنه بعد أن ركبت السيارة ، أكـّد لي أنه تخلص من السيجارة احتراماً لي واعتذر سلفاً إن كانت سحائب سيجارته ضايقتني !!! قلت لنفسي : أصحابي عيال اللذينا حتى لو طلبتهم يطفوا السيجارة ماطفوها !!واسترسل السائق في اعتذاره السابق يكمله ، لأؤكد له أن من حقه التعبير عن وجهة نظره .. فأخبرني بتفاصيل مدهشة ..وذلك أنه بعد أن أوصلني أحس بذنب فظيع جرّاء ما أسمعني إياه من كلام عن أبناء وبنات جلدتي ، لدرجة أنه قرّر أنه لن يكمل عمله اليوم ، وسيذهب للبيت للنوم .. ولكنه لم يستطع النوم .. وحين أحس ببعض التحسن من نفسه (أو بقيمة إيجار التاكسي اليومي الذي لم يدفعه في ظني) قرّر النزول وإكمال يومه بالعمل .. وكنت أول زبون يقابله !!أخبرني أيضاً أنه طوال فترة وجوده في المنزل لم يستطع أن يمنع نفسه من أن يفكر فيّ كـ "ملاك" لم يكن يتوقع وجوده في السعودية ، وأنني صدمته بأخلاقي العالية وبقدرتي على "الصبر والتحمل" بعدم ردي عليه في المرة الأولى .. ولم يدر المسكين أنني كنت أخاف أن أرد عليه حتى لا يختطفني ويذبحني وأنا عاجز ذو عكازين (أمزح ، لا أحد يصدق) ..وحين وصلت للبيت رفض السائق أن يأخذ أجرته سوى بعد إصرار مني ، لكنه رفض أن يحدد المبلغ راضياً بأن يأخذ مني أي شيء .. وكرّر على مسامعي بعد أن نزلت وقبل أن أغلق الباب : "انت ملاك" !
وكل مادار في خـَـلــَـدي وقتها : هذا قاعد يغازل ولا ايش !!!
وتذكرت وقتها تأثير "الإنصات" (وليس الاستماع) على نفسيات الناس إيجابياً ..
فسألت نفسي منهياً هذا اليوم الطويل : لو كان هذا هو تأثير الإنصات على الرجال ، فكيف بالنساء !!!

الأربعاء، 10 يونيو 2009

يوم في حياتي (2)

وجدت شخصاً أظنه من دول شرق آسيا التي تنتهي أسمائها بالحروف (ــتــان) قد سبقني إلى المسبح ..
استقبلني بـ "سلامات" و "ماتشوف شر" !!! ليجبرني على الرد بـ "ايس موسكلة سديق" و "بي ألم ؟؟"
وشرحنا لبعضنا عن إصاباتنا المختلفة ..
أخبرته قصتي على عجالة ، وكلــّي لهفة لأسمع قصته بعد أن رأيت جرحاً يمتد على طول ساقه كجبال تهامة على طول الحجاز !
أخبرني عن حادث ارتطام سيارة كفيله التي كان يقودها ، بسيارة قطع سائقها إشارة حمراء متوجهاً إلى بابه مباشرة ..
لم أتألم كثيراً لحاله ، فالظاهر أنه بدأ علاجه الطبيعي قبلي بفترة طويلة ..
وأكد لي هذه المعلومة بنفسه عندما علمت أنه يتعالج من إصابته منذ سنة وشهرين بالضبط !! (وأنا كرهت نفسي وكرهت المسبح وكرهت الكلور وكرهت جعفر اللي يجي يربط لي ركبتي في جهاز الكهرباء في شهر ونصف فقط) ..
استعجبت من قدرته على التحمل والصبر على العلاج .. وتعجبت أكثر من صبره عندما استغلّ كفيله وضعه الصحي ليمنع عنه الراتب وليتهمه بتدمير سيارته وبأن رخصته مزورة ، هذا إلى جانب بعض المتأخرات المالية من فترة ماقبل الحادث والتي رفض الكفيل أن يعطيه إياها بحجة أنه أتلف بضاعة تفوقها قيمة !!
لم يعطني كثيراً من التفاصيل ، ولكنه أخبرني أنه في لحظة من اللحظات وصل به اليأس لدرجة أنه أصبح يتجول بساقه المصابة في الشوارع بدون إقامة عمداً حتى تلقي قوة الجوازات القبض عليه ليتم ترحيله وينهي معاناته في بلدنا الحبيب ، بعد أن رفض الكفيل التنازل ، إلا بعد دفع قيمة ما تلف بالطبع !
وتم له ماكان ، وتم إلقاء القبض عليه .. ولكنه قفز عبر كل التفاصيل ليقول : "الحمدلله ، دابت فيه كويس .. هو معلوم أنا مزلوم ، هو خلي كبيل زيبو دليل ولا خلي أنا سابر"
الترجمة : "الحمدلله ، الضابط طلع كويس ، عرف إني مظلوم ، وألزم الكفيل ، يايجيب دليل على كلامه ولا يخليني أسافر"
ولم يكمل بعدها ولم يعلمني على حساب من يتلقى علاجه الآن !
ولم أشأ أن أفسد عليه لحظة صمته ونظرته السارحة في الأفق .. ربما لأنني كنت متأكداً أن خياله أخذه لبلاده ، ولعله الآن يتخيل نفسه في مزرعته .. ولعل خياله به أغنية فيها الكثير من الرقص والكثير من المطر وقليل من نظرات ..
ودّعت صديقي الآسيوي ونفسي "هافـّـتني" على تميس بسكوت وجبنة كاسة
وللحديث بقية

الثلاثاء، 9 يونيو 2009

يوم في حياتي (1)

استيقظت متأخراً يومها ..
كان يوماً كبقية أيام جدة الكئيبة المملة الرطبة ..
وزادت كآبتي لما تذكرت كمّ المشاوير الذي لديّ ، بين بنك ومستشفى ومول ووكالة نقليات وشغلانة مايعلم بيها إلا ربك !
واللي زادني طرب إن ماعندي سيارة ، لكن وش أسوي !!! ماهنن غير تكاسي .. واستعنت ع الشقا بالله ..

نزلت من بيتي حاملاً نفسي على عكازين ..
وحاملاً كيس كارفور (مو دعاية لكارفور) ومنشفتي الزرقاء وشورت سباحتي الأسود يظهران من شفافية الكيس داخله ..
أشرت لأول تاكسي بالوقوف ، وطلبت منه أن يأخذني للمستشفى الفلاني ، وعقلي يهيئني نفسياً لجلسات العلاج الطبيعي المؤلمة لركبتي المصابة بسبب كرة القدم اللعينة !
ولأن لي فترة لم أحلق ذقني ، ولأن هيئتي بالشورت "البرمودا" والفلينة اللي "مو مكوية" + عكازين وكيس فيه منشفة وشورت ، كان يوحي بفقر شديد ، أو أنني في طريقي للمستشفى عشان أجلس أشحت على بابها !
والأهم أنه كان يوحي بأي شيء سوى أن أكون سعودياً بالتأكيد ..
وهذا ما أعطى لسائق التاكسي العربي الأفريقي الفرصة أن يمارس علم الفراسة عليّ ، فيخمن هل أنا من الجزائر أم من الأردن الشقيق !!!
استغربت من فراسة الرجل التي راعت هيئتي ولم تراع لهجتي !!
المهم أنني بعد محاولات مستميتة للتأكيد بأني سعودي وهو يرفض ، اضطررت للاعتراف "زوراً" بأنني من بدو سيناء !!!
وهنا ... وهنا فقط ، بدأ الأفريقي يسب ويلعن في سلسفيل اللي جابوا السعوديين على أبو أشكالهم على أبو اللي يشتغل عندهم ! وكأنه ارتاح لاعترافي بأني غير سعودي فأخذ راحته !!
وبدأ يعدد مساويء السعوديين والسعوديات ابتداءً من اللي بيشرفوه في السيارة ونصبهم عليه وعدم سدادهم لمستحقات المشوار ، مروراً ببعض الشباب "السعوديين" الذين يشحذون السائق أن يوصلهم ببلاش أو بخمسة ريال ، وانتهاءً بسواقة السعوديين الرعناء عند وجود بنات في التاكسي وإجبار التاكسي على التوقف !

الحقيقة أن غضب حديثه ، وحقيقة أنني أحب أن أرى كيف يرانا الآخرون ألجمت لساني عن الدفاع عنا .. عن السعوديين أقصد وليس بدو سيناء ..
وانطلق الرجل يروي روايات عجيبة وغريبة ليس هذا المجال لذكرها عن أسوأ مافينا ومافي شعبنا وأرضنا .. وسواء كانت رواياته صحيحة أو ملفقة فقد استمعت إليها كاملة ودون مقاطعة ..
وفي نهاية الرحلة سألته وأنا أنقده ريالاته بزيادة (كنت أحاول أحسن الصورة بصراحة) لو وريتك بطاقتي السعودية تعفيني من الفلوس ؟؟؟
تردد الرجل في الإجابة ولسان حاله يقول : افرض طلع كلامه صح ، اخسر حق المشوار ؟؟؟ خليه ينحرق هو وجنسيته ، والله لو يكون مرّيخي حتى ! ولدهشتي رفض عرضي وكأنه رضي بنفسه حكماً ..
ومن شدة غيظي طلعت بطاقتي ووريته إياها ، أطال الوقت مقلباً النظر بيني وبين بطاقتي وكأنه ينتظرني أن أقول : معاك الكاميرا الخفية ، عاوز نزيع ، نزيع !! ثم ابتسم وأعادها لي وقال : أنا آسف !!!!
قلت في نفسي : اشبي بلطشك الحين على اللي قلته ؟؟ انت ماقلت شي غير وانت متيقن منه من كثر ماجاك !!

دخلت المستشفى وبدأت علاجي الطبيعي في المسبح الدافئ
واللي صار في المسبح كان شي عجيب !
وللحديث بقية

آخر يوم في حياتك

لو استيقظت صباح أحد الأيام وعلمت أن اليوم هو آخر أيام حياتك ، وأنه بنهاية هذا اليوم لن تشرق عليك شمس من جديد! لن أسألك عن شعورك حينها ، ولكن سأسألك ماذا ستفعل ؟؟ هل ستسامح وتتسامح من الكل ؟؟ أم أن الوقت لا يسمح ، ومساحة الكبرياء والغضب والانكسار لا تسمح ؟؟
هل ستفعل كل ماحلمت أن تفعله ولم تفعله لسبب ما ؟؟ من تصريح بحبّ ، أو تسلق للجبال ، أو ركوب للأمواج أو قفز من الطائرة أو استقالة من عمل ممل أو سفر مفاجئ أو تجربة شيء جديد أو تقبيل لقدميْ والدتك ؟؟ أم أن التفكير في ضيق القبر سيستولي على تفكيرك ؟؟
هل ستتنازل عن كبريائك وتحفظك وطبعك الصلد لترضي شريك حياتك الذي طالما لمّح وصرّح بحاجته لشيء معنوي أو جسدي منك ، وكان كبريائك وطبعك يمنعك من تنفيذ رغباته بحجة ألا يسيطر علينا الطرف الآخر وألا نكون لقمة سائغة له وأن نحافظ على صورتنا القوية أمامه وأن (الثقل صنعة) ؟؟ أم أن يومك الأخير سيشهد خضوعك وتنازلك لشريك حياتك وسيشهد اندماجكما الأقرب والأصدق .... والأخير؟؟
هل ستخبر زوجتك وابنتك وأباك وأمك بأنك تحبهم ، أم أن طبعك القاسي الصامت سيرافقك للنهاية ؟؟
هل ستقضي يومك في الصلاة وقراءة القرآن أم في مساعدة مسلم وقضاء حاجته ؟؟ ما أعلمه أنه بصلاتك وتلاوتك للقرآن تزيد حسناتك بإذن الله ، وبمساعدتك لمسلم تزيد حسناتك بمساعدتك له وكلما دعا لك ولو بعد موتك بإذن الله.
هل ستغير شيئاً من مبادئك المتزمتة التي لم يكن ليضيرك أن تغيرها إرضاءً لحبيب أو صديق أو قريب ، والتي لم تكن بتغييرها تخالف دينك ؟؟ أم أن بعض العادات والتقاليد البالية والتي تخالف حتى صريح ماكان يفعله أو يقوله أو يقرّه رسول الله صلى الله عليه وسلم ستظل محكمة قبضتها حول عنقك حتى الموت ؟؟
هل ستختلف نظرتك للأطفال المشردين عند إشارات المرور ؟؟
هل ستختلف نظرتك لجنسيات شرق آسيا وخاصة منظفي الشوارع منهم ؟؟
هل سترى ظهر الإمام للمرة الأولى بوقوفك خلفه في الصلاة ؟؟
هل يكون يومك الأخير هو أرقى أيام حياتك وأول يوم تكون كل ممارساتك فيه جديدة ؟؟
هل سيشهد يومك الأخير تغلب التطبع على الطبع ، ولأول مرة في حياتك ؟؟

همسة : متى كانت آخر مرة جربت فيها شيئاً جديداً لم تفعله من قبل ؟؟
اقتراحات :
1 - اطلب من إمام مسجد الحي أو المؤذن أن يسمحوا لك بالأذان في فرض الصلاة المقبل ، استمتع بشعورك وصوتك يصدح في الآفاق .. تغلب على خوفك وحاول.
2- تناولي أدوات التنظيف وتوجهي للحمام - أعزكم الله - وقومي بتنظيفه ، لتشعري بشعور الخادمة ، ولتكسري شيئاً من كبر قد يكون في صدرك ، وهذا مافعله عمر بن الخطاب رضي الله عنه حينما أحس بشيء من كبر في صدره بأنه أمير المؤمنين.
3- أرسل رسالة نصية لأمك تحوي كلمتين فقط "أحبك يا أمي" . وبقدر ما تتوقع تعليقات مضحكة أو نظرات مستريبة ، بقدر ماستكون ذكرى جميلة وإحساس جميل تعيشه ، وإحساس أجمل تهبه لأمك.
4- اغسل سيارتك بنفسك.
5- اخرجي إلى السوق دون رسم عينيك المعتاد أو تبرجك المعتاد أو عبايتك الضيقة أو مشيتك المتبخترة. جربي البساطة ولو لمرة واحدة ، وقارني .. لا تقارني نظرات الناس فليس هذا بمهم ، قارني بين ذاتك القديمة وذاتك الجديدة ، وبين شعور وشعور ، واسألي نفسك هل هناك مايستحق عدم التغيير !
6- توجه لجارك ، اطرق الباب .. واجلس معاه لدقائق .. اسأله عن أحواله وتفقد إن كان يحتاج شيئاً ، وأعطه من طعامك ، ولا تنسى وصية رسول الله للجار.
7- امسحي رأس طفل مسكين في الشارع.
8- اعتمر عن أحد أقاربك أو أصدقائك المتوفين ، وتصدق عنه.
9- قم الليل ولو بركعة واحدة ، ولو بعد صلاة العشاء مباشرة.
10- اختر أحد عاداتك السيئة ، وقرر ألا تفعله اليوم فقط على سبيل التجربة.
هذه الاقتراحات ليست محددة بذاتها ، وإنما طرقت تفكيري أثناء كتابة المقال. افعل شيئاً جديداً في حياتك و عش شعوراً جديداً.
وصدقني .. الشعور بالأشياء الجديدة يجدد روحك ويجدد حياتك ، ويفتح لعقلك آفاقاً من فهم الحياة وفهم الآخرين كبير.
فلا تضيع على نفسك فرصة التجديد ولو بشيء بسيط ، وابدأ الآن باختيار اسم عشوائي من جوالك لم تهاتفه منذ زمن (كبداية) .. اتصل وسلم واسأل عن الأحوال ، وبقدر حرجك من الاتصال بعد طول غياب ، بقدر ماستكون ذكرى طيبة في نفس متلقي الاتصال ، وبقدر ماسيكون هناك تجديد في حياتك وقوة أكبر للتغيير.
الآن وبعد التجربة الأولى ، ابدأ بأحب الناس إلى قلبك ..
وبأسوأ مافيك ..
وبأكبر مخاوفك ..
وتصرف وكأنه آخر يوم في حياتك ..

الاثنين، 8 يونيو 2009

انجليزي دي يامـُـرسي !!

"كفشت" نفسي متلبساً غير مرة في معرض حديثي أتكلم بمصطلحات إنجليزية من باب تخفيف حدة وطء الكلمة العربية على الأسماع! أو لأنني لم أجد كلمة عربية أو حتى محلية مناسبة تقال!! أو لأنني أستعرض ما أحفظه من كلمات إنجليزية!!!
وغالباً ماأجدني مع الناس أستخدم تلك المصطلحات عند الحديث "في الغالب" عن الجنس أو عند وصف أعضاء جسدية حساسة أو عند بدايات ونهايات مكالمات الجوال!!
ولا يظنن أحد أنني أقضي وقتي في الحديث عن الجنس وحواشيه ، ولا يظنن أحد أنني فلتة في الإنجليزي ، ولهذا وجب التوضيح. ومرات أجدني أستخدمها في أمور أخرى كتابياً أو شفهياً للتعبير عن الشكر والامتنان والحزن والضحك والحكمة وأمور أخرى.

وعلى سبيل المثال في حالة الشكر لا أدري لماذا يتم استخدام كلمتي ثانكس وميغسي (بحرف الغين وليس الراء) بكثرة !!! ولا أدري لماذا يهز الناس رأسهم "بحكمة" في نهاية جملة ما ويقولون : آي سي (I see) يعني أنا فاهم قصدك ومعاك على الخط. (يمكن عشان أقصر وتوحي فعلاً بالحكمة!) ولا أدري لماذا يستخدم الناس - وأنا معهم - الكلمات الإنجليزية أو الأجنبية عموماً في حديثهم؟؟؟

هل هي واجهة اجتماعية ضرورية تعطي هيبة إضافية على سيرتك الذاتية الشخصية في أذهان الناس مما يجعلهم يحترمونك ويقدرونك أكثر ؟؟؟؟ هل هي فرصة لإضاءة بعد آخر في تقدير الآخرين لك و"إظلام" جوانب أخرى فيك لا ترغب في أن يراها أحد ؟؟ هل هي واجهة سطحية لترضي غرورك الشخصي وتوهم الناس بثقافتك المتعددة للغات ؟؟؟ هل يقل الحرج أو تقل حدة وطء الكلمات عند التحدث عن أمور حساسة كالجنس مثلاً بلغة أخرى ؟؟ لأنني كثيراً ما أجد أناساً ، بمجرد أن يصلوا في حديثهم لعضو تناسلي أو عملية تناسلية "جنسية عفواً" ينقلب لسانهم بأعجوبة لأقرب لغة يعرفها وينطق الكلمة الأجنبية ، ثم يعود للعربية الجميلة ويكمل حديثه !!! وكأن مجرد نطقه للكلمة أو الجملة بالأجنبية أزال الحرج من نفوس المستمعين وأزال حملاً من على كاهل المتحدث وفتح آفاقاً أوسع لتفهمهم ومتابعتهم الحديث!!

حقيقة ، لست أجدها مشكلة تستحق الالتفات إليها ، ولكن أحببت مشاركتكم فيما أفكر فيه. ولاتنكروا أنكم في كثير من المرات خاطبتم أنفسكم عند تحدث أحدهم أمامكم بلغة أخرى قائلين : "قام يتفلت ويسوي فيها إنه يتكلم عنجليزي" !!
من الجميل أن ننمق كلماتنا ونراعي أذن السامع ولو بلغة أخرى ، لكن الأجمل أن نبحث في لغتنا عن كلمات تشرح ماننوي قوله بدل استخدام لغات أخرى. ومن اليوم ورايح بدل ما ألعن وأسب بالإنجليزي ، راح أقول : تباً لك ... اذهب إلى الجحيم أيها اللعين!
وهذه بداية لكل من لم يعجبه مقالي

الوقت الميت

من الأمور الملاحظة في معظم دول العالم - إن لم يكن كلها - هو أن وقت مابين صلاتي الظهر والعصر ، أو الوقت مابين الواحدة ظهراً والثالثة والنصف عصراً هو وقت حيوي. بمعنى أن جميع المرافق والمصالح تكون في هذه الأوقات متاحة ومتوفرة للجمهور. بعكس الوضع في مملكتنا الحبيبة ، فلا تجد أي مرافق مفتوحة سوى أبواب المدارس وأبواب المطاعم!! أما المحلات التجارية والحلاقين والسباكين والنجارين والخياطين والمولات التجارية والمقاهي والمكتبات فكلها مغلقة وكأن هذا الوقت هو وقت إجباري للراحة والإغلاق!!!
لماذا هذا الوقت ميت عندنا ؟؟؟ لماذا لا يتم تفعيل هذا الوقت بصورة صحيحة ؟؟؟ وحتى نزن الأمور بميزان عادل ، فلنحدد إيجابيات وسلبيات هذا الموضوع.

من إيجابياته :
1- أن أصحاب دوام الشفتات سيجدون وقتاً للتبضع وقضاء مصالحهم الشخصية في ذاك الوقت.
2- فتح مجالات عمل كثيرة ومتنوعة لشريحة كبيرة من العاطلين ، حيث سيتبع ذلك تعيين أشخاص جدد تبعاً للشفت الجديد ، أو زيادة مرتبات بعض الوظائف المتدنية الرواتب (وكلا الأمرين إيجابيين).
3- (قد) يكون سبباً في بدء التعيين بنظام الساعة في المقاهي والمحلات التجارية ، وهذا النظام مفيد للطلبة وذوي الدخل المحدود ، ومفيد لأصحاب التجارات المختلفة لأنه لا يلزم بتأمين طبي ولا تأمينات اجتماعية لهذه الفئة.
4- التخفيف من زحام المدن الكبيرة في أوقات مابين الخامسة عصراً والتاسعة مساءاً بسبب خروج الكل لقضاء مصالحهم.
5- يعلم الناس كيفية استغلال الأوقات.
وقد يجد بعضكم إيجابيات أكثر من هذه ، ولكن هذه بعضها.

أما سلبياتها :
1- قد تكون صعبة لأصحاب الأعمال الخاصة أو من يديرون محلاتهم أو تجارتهم بأنفسهم في السيطرة على أعمالهم أو على إحراز تنافس مرضي في مجالهم.
2- قد تكون مرهقة مادياً لأصحاب المحلات التجارية في تعيين أشخاص جدد لوقت العمل الجديد ، إلى جانب زيادة مصاريف الكهرباء وخلافه.
3- قد تسبب زحام غير طبيعي ، خاصة في المدن الكبرى ، بسبب أوقات الخروج من المدارس والأعمال. والزحمة الموجودة كفاية بصراحة!!
4- عبء كبير على شركة الكهرباء في صيف السعودية الحار ، وكفاية إن شركة الكهرباء مو قادرة تجمّل مع البيوت ، فمو ضروري نفشلهم في المحلات والمولات إلخ!! ومو ناقصة قطع كهرباء!! وقد يجد بعضكم سلبيات أكثر ، ولكن ...

بغضّ النظر عن السلبيات والإيجابيات ، فهذا قرار فردي (بالنسبة لغير المحلات في المولات التجارية) ونصيحتي الشخصية لمن أراد المنافسة في مجال تجارته أو صنعته: كن متوفراً للعميل في كل وقت ، وسيأتيك العميل في كل وقت
ومن وجهة نظري كزبون ، لو وجدت ضالتي في وقت عصيب كوقت مابين الظهر والعصر ، فسأحترم صاحب ضالتي ، وقد أتحول من زبون ضال لزبون دائم ، لأنه احترمني كزبون وحيد في وقت ميت ، فسأحترمه كصاحب تجارة أو صنعة في كل الأوقات.
قد يقل الزبائن في هذا الوقت ، ولكن في أعماق العميل سيحترم صاحب هذه التجارة أو هذه الصنعة ، وسيوجهه عقله الباطن والواعي لنفس المكان في المرات اللاحقة لأنه يعلم بوجوده دائماً في الخدمة.... وخاصة في الوقت الميت.