الخميس، 28 يناير 2010

الذاكرة : ذكريات آدم - عليه السلام - (4)

إلى جانب صعوبة وتعقيد إجراء التجارب على البشر ، فإنها تحتاج فترات طويلة تمتد لسنوات لرصد وتحليل النتائج . بعكس الحيوانات سريعة التكاثر ، مثل الفئران وخنازير غانا ، وخاصة في تجارب الذاكرة .
فقد ثبت توريث الذاكرة في الطيور بنسبة سبعين بالمئة ، حيث يخرج الكتكوت من البيضة إلى مصدر الغذاء مباشرة ، دون تعليم أو توجيه ، بينما ثلاثين بالمئة يكتسبها مع العمر والخبرة . والحيوانات تتوارث الذاكرة بنسبة ستين بالمئة ، بينما الأربعين بالمئة المتبقية تكتسبها مع الخبرة . بينما مع الإنسان يصعب الانتظار لعام أو عامين على الأقل لنرى نتائج الذاكرة الموروثة !
فخلص العلماء إلى اقتراحين يستطيعون من خلالهما دراسة ذاكرة البشر . أول الاقتراحين أن يتم مقارنة أمخاخ الحيوانات بالبشر لمعرفة الأثر الوراثي لكل منهما ، وهذا صعب - بل شبه مستحيل - لجهل العلماء بتركيب المخ في الحيوانات والبشر ، إلى جانب عدم وجود مراكز محددة للذاكرة . والاقتراح الآخر هو التنويم المغناطيسي ، حيث يتم تصفح عقل وذكريات المنوَّم مغناطيسياً واستخراج ما كمن في ذاكرته . وتم الاستقرار على الاقتراح الثاني .

فريق من المتطوعين تم إخضاعهم للتنويم المغناطيسي ، وطلب منهم المنوم العودة إلى الماضي ، إلى أقصى نقطة يستطيعون العودة إليها . وتحت تأثير التنويم غاص المتطوعون في أعماق ذكرياتهم التي لم يكتسبوها في حياتهم ، وظهرت النتائج بشكل مبهر لم يخطر ببال أكثرهم تفاؤلاً !!
المتطوعون عادوا بذاكرتهم إلى أيام طفولتهم الأولى ، بل تخطوا ذلك إلى ذكريات الرحم منذ تكون المخ وسجل كل ما مرّ به !! ثم فجأة تم تجاوز كل هذا لنقطة لم يتوقعها أحد .......... لقد بدأ بعضهم يتحدث بلغات غريبة لم يتعلمها في حياته قط ، وبعضهم تحدث بلسان يخالف عمره وطبيعته وجنسه !
متطوعة بريطانية ، تحدثت بلسان جندي فرنسي من جيش نابليون بونابرت(1) ، في الوقت الذي أكد فيه كهل أمريكي بأنه صبي هندي مات في صغره !!!
وانحنى العلماء يدونون ويحللون كل ماسمعوه وشاهدوه ، في محاولة للفهم .... وخلصوا أن الأمر يتعدى مرحلة الذاكرة الموروثة إلى مرحلة الترانزستور(2) !!!

بالعودة إلى فكرة تناسخ الأرواح ، نجدها نشأت من كون بعض الناس بدأ يستعيد فجأة بعض الذكريات الغريبة من قبل مولده ، ذكريات تنتمي إلى عالم آخر وجنس آخر !
وأول من رصد هذه الظاهرة هي المعتقدات الهندوسية والكونفوشيوسية(3) ، وفسرتها بأنها تناسخ أرواح(4) . وإن كانت الفكرة غير مقبولة إسلامياً ولكنها مقبولة في بعض الديانات الأخرى . وفي ستينات وسبعينات القرن الماضي قام العلماء بتجارب خاصة تستخدم التنويم المغناطيسي لإعادة الإنسان لأقدم ذكرياته .
كان الهدف وقتها هو الوصول بذاكرة الإنسان إلى مرحلة النمو في الرحم ليصف مشاعره وأحاسيسه في تلك المرحلة . لكن النتائج جاءت مفاجئة ، حيث انتقل المتطوعون إلى ماقبل الرحم !!!! قبل ولادتهم بأيام ، وسنوات .... بل وقرون !

بعض الخاضعين للتنويم عادوا بذاكرتهم مائة عام إلى الوراء ، وتحدثوا عن أمور بتفاصيل شديدة الدقة ، اندهش العلماء عندما تأكدوا من صحتها بعد البحث ! وبعضهم عاد إلى ماض سحيق وتحدث بلسان امرأة ، وأخبرهم بأنه تم إعدامه ضمن محاكم التفتيش !!
ووجد العلماء أنفسهم أمام حالة لم تسجلها مراجعهم ، حالة وصفوها بأنها نوع من تناسخ الذكريات .... وفي مرحلة ثانية جاء من يربط هذا بتناسخ الأرواح ، وإن كانت الفكرة غير مقبولة دينياً وعقلياً !!!
وفي الوقت الذي بدأ بعض العلماء يبحث عن مرجعية دينية للأمر ، ظهرت على السطح فكرة الاتصال العقلي المخي المشترك ، حيث كشف العلماء أن عقول البشر جميعهم تشترك في شبكة معلومات واحدة ، وأن مايعرفه شخص ما ، قابل جداً للانتقال إلى الآخرين لو تم تحفيز الجزء المناسب من المخ ! ولو أضفنا نظرية الذاكرة الموروثة ، فسنجد أن محصلة أو مجموع أمخاخنا تحوي تجاربنا وتاريخنا منذ بدء الخليقة .... منذ آدم عليه السلام !

حين نخضع شخصاً للتنويم المغناطيسي ، فإننا نوقظ في أعماق مخه شبكة الاتصال بالآخرين ، ونستخرج كل ذكرياته الموروثة ، وتلك المكتسبة والتي نسيها بتقدم عمره وبإهمالها ، وإن كان قد سمعها عـَـرَضاً ، ولو بلغة أخرى !
بمعنى أدق ، بتنويمنا شخصاً ما مغناطيسياً ، فنحن نحول عقل المنوَّم إلى أرقى وأدق واصفى جهاز استقبال عقلي ، لا يستخرج المخزون في ذاكرته فحسب ، بل يستقبل ماتختزنه عقول من حوله في مدى معين !

وهنا واجه العلماء تساؤلاً خطيراً ....
إذا كان التنويم يجعل من أمخاخنا أجهزة استقبال فائقة التردد ، فماذا عن الإرسال ؟؟
وبدأت تجارب من نوع آخر ....

(يتبع)
______________________
(1) نابليون بونابرت: قائد عسكري فرنسي عاش قبل أكثر من مائتي سنة . لمزيد من المعلومات يرجى زيارة الرابط : http://ar.wikipedia.org/wiki/نابليون_بونابرت
(2) الترانزستور: أشباه موصلات أحدث اختراعها ثورة في عالم الحواسيب
(3) الهندوسية والكونفوشيوسية: عقائد شرقية
(4) لمزيد من المعلومات عن تناسخ الأرواح يرجى الرجوع لمقالة الذاكرة : تناسخ الأرواح (2)

الاثنين، 25 يناير 2010

الذاكرة : شبكة المعلومات العقلية (3)

عندما يقوم كل فرد وكل مجموعة رسمية وغير رسمية على هذا الكوكب بإضافة أفكاره ومعلوماته إلى شبكة الانترنت ، تصبح تلك المعلومات متاحة لجميع مستخدمي الشبكة ، مما يعني أن هذه المعلومات الفردية من العقول الفردية كونت فيما بينها شبكة هائلة لا حدود لها لأنها تتسع كل يوم .
وكذلك الاتصالات عبارة عن شبكة واسعة تربطها الأقمار الصناعية ، مما جعل اتصال شخص من ساحل العاج بصديقه في جزر الواق واق أمراً أسهل من شرب الماء .
وما أثبته العلم مؤخراً أن عقولنا - عقول البشر - تصنع فيما بينها شبكة عقلية معلوماتية بلا حدود .. فكل منا - مهما كانت قدراته - لديه القدرة على قراءة عقول الآخرين ، واكتساب الخبرات منهم ، والاستعانة بتجاربهم ، وتبادل التحذيرات والمعلومات معهم !

هناك العديد من السمات البشرية التي أخمدها التطور وقضت عليها حضارة البشر في العقول البشرية . فالإنسان القديم مثلاً كانت لديه القدرة على تحريك صماخ الأذن نحو مصادر الأصوات ، وكانت هذه قدرة معتادة حتى لم يعد الإنسان يحتاج إليها لعدم خروجه للصيد إلا للتسلية ، فضمرت تلك السمة إلا من عدد محدود من البشر .
وكل الناس - تقريباً - قديماً كانت لديهم غريزة التنبؤ بالخطر ، إلا أنها ضمرت كسابقتها مع تطور وسائل وأجهزة الأمن والحماية ، ولكنها تظهر في مواقف متفرقة ، كجزع الأم المفاجئ على ابنها الذي يبعد عنها آلاف الأميال عندما يصيبه مكروه ، وكحادثة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - مع سارية ، وهذا ينطبق أيضاً على شبكة المعلومات العقلية أو المخية .
فقديماً كان أفراد القبيلة الواحدة يشعرون ببعضهم بعضاً ، ويمكن لكل منهم قراءة أفكار ومعلومات ومخاطر الآخرين دون الحاجة إلى الحديث . ولازلنا نرى مثل هذه المشاهد في السينما الأمريكية ولا نستغربها !

إذاً المخ البشري يحوي وسيلة اتصال بأمخاخ الآخرين ، ولكن هذه السمة ضمرت مع التطور والحضارة . وبالمعنى العلمي : نحن نولد بهذه القدرات ، ولكننا نفقدها مع الزمن وفقاً لنظرية داروين التي تنص على أن : "العضو المستعمل ينمو ، والعضو المهمل يضمر" ويماثلها : "القدرة المستعملة تنمو ، وغير المستعملة تضمر" .
ويعني هذا أنه بعد عام أو اثنين من الولادة ، ومع عدم تنمية قدرة الاتصال العقلي ، يفقد الإنسان هذه السمة ، فلا يعود يتذكر بعدها طبخاً ولا قيادة سيارات ، ولا حتى يصبح قادراً على التواصل العقلي !!!
والحل الوحيد لهذه المعضلة هو تنمية هذه القدرات منذ الولادة .. وقد كان !
فقد لاحظ العلماء أن التوائم المتماثلة ، والأطفال الذين يولدون في مكان واحد ، يمكنهم التواصل دون أن يتخاطبوا ، بل حتى قبل أن يمتلكوا القدرة على الكلام ، ودون حتى أن تتطور لغتهم ! وبدأ العلماء تجاربهم من هذا المنطلق .

ترك العلماء مجموعة من الصغار يتواصلون ويتحدثون ويتشاركون معلوماتهم بعقولهم ، في بيئة مدروسة وراقية ، حتى بلغوا الثالثة من العمر .. وكانت النتائج مدهشة !!
الصغار طوروا فيما بينهم شبكة معلومات عقلية أصبحوا يتواصلون من خلالها دون الحاجة إلى التخاطب . ففي حجرة منفصلة وضع أحد العلماء طفلاً وأمامه عدة أشكال من بينها مكعب أحمر . وما أن لمس الطفل هذا المكعب حتى سرى في جسده تيار كهربي مدروس جعل الطفل ينفر منه ولا يلعب به .
وبعدها أحضروا طفلاً آخر ووضعوا أمامه نفس الأشكال ، فلعب بها كلها سوى المكعب الأحمر . على أنه لم يلتق الطفل الأول الذي تم وضعه في حجرة خاصة !! وتكرر الأمر مع الطفل الثاني والثالث والرابع .... وتكررت التجربة للمرة الثانية والخامسة والعاشرة ، وكانت النتيجة واحدة .. جميع الأطفال بعد الطفل الأول لم يلعبوا بالمكعب الأحمر ، وأبدوا تخوفهم منه عندما تم إجبارهم على اللعب به !!
وكانت النتيجة واضحة .
الطفل الأول نقل جميع خبراته ومعلوماته إلى عقول الأطفال الآخرين دون حتى أن يلتقي بهم ، عبر شبكة عقلية غير مرئية فائقة التردد !

وكان من الممكن أن تستمر مثل هذه التجارب ، لولا تدخل منظمات الطفولة ومنعها إجراء التجارب على الأطفال . ولكن العلماء كانوا قد وصلوا إلى مرحلة أثبتوا فيها وجود هذه الشبكة العقلية ، وبدأوا في دراستها وتطويرها بالفعل ، وكان لهذا الفضل - بعد الله سبحانه وتعالى - في تفسير كثير من الظواهر التي عجز العلم عن تفسيرها لسنوات ، وأهمها فكرة تناسخ الأرواح ، والتي توصل العلماء لحقائق عجيبة عنها ، قد لا تقرأها أو تسمع بها حتى في أعظم روايات الخيال العلمي تفاؤلاً وجنوناً .
(يتبع)

السبت، 23 يناير 2010

الذاكرة : تناسخ الأرواح (2)

تناسخ الأرواح فكرة تقول بأنه إذا ماتت الأجساد حلت الأرواح في أجساد أخرى ، بغض النظر عن إنسانية الأجساد أو حيوانيتها ، وقد تكون حشرة أو طيراً أيضاً ، وفقاً لرصيد أعمال المتوفى في حياته السابقة ، فقد يعود في صورة أسد أو ذبابة ليكفر عن أخطائه القديمة والدائمة !! فإذا تساوت الحسنات والسيئات عادت الروح في حياة أخرى - ثالثة - جديدة إنسانية قد تكون في جسد ذكر أو أنثى بغض النظر عن جنس المتوفى في الحياة الأولى أو الثانية .

هذه الفكرة وإن كانت تخالف معتقداتنا كمسلمين ، ولكنها أمر مسلم به عند البوذيين والهندوس ، بل إنها إحدى دعائم معتقداتهم ، ودون الخوض في مناقشات دينية ، يكفي القول بأنهم ما آمنوا بتلك الأفكار عبثاً ، بل لأنهم واجهوا مواقف وأحداث حقيقية - مثبتة علمياً وتاريخياً - صاحبها علم قليل وجهل كثير ، إلى جانب ميل فطري بشري لتصديق الخزعبلات والشعوذة ، فصدقوا تلك الأحداث وفسروها بما يناسب ثقافتهم وعلمهم . ومن تلك الأحداث ذكاء أحد الحيوانات الملحوظ عن كافة بني جنسه ، أو تعلق الحيوان بشخص أو بغضه لآخر دون مبرر ، بل أعطوا أمثلة على إعجاب الإنسان بإنسان آخر أو بغضه له دون مبرر أيضاً ، وتفسيراتهم لا تعنينا - كمسلمين - كثيراً ، كما أنها لا علاقة لها بالنظرة العلمية أيضاً .

النظرة العلمية تؤكد أن الذاكرة التي نحملها في أمخاخنا والتي نحيا بها ومعها لا تختص بنا وحدنا ، بل هي ذاكرة جماعية مشتركة ، توارثناها جيلاً بعد جيل !! وبالتالي فهي عبارة عن عصارة وملخص ذاكرات الأجداد من نسل واحد ، والتي نقلوها إلى الأجيال اللاحقة . وفي كل جيل يتم توريث الذاكرة المكتسبة إلى جانب الذاكرة الموروثة ، فيتم توريث ذاكرة أكبر مع كل جيل ، مما يجعل الأمر أشبه بتوريث مكتبة كاملة من الموسوعات ، مما يعني أن يكون الجيل الجديد أذكى وأمهر وأكثر براعة وحنكة (1) .

وقد أثبت العلم نظرية توارث الذاكرة ، ووضع أسسها وقواعدها منذ بضعة أعوام . ولأن العلم لا نهاية له ، ولأن نهم العلماء لا ينتهي ، فقد استمرت دراسة العلماء للذاكرة وخفاياها وأسرارها وقوتها . وبمصادفة بحتة أثناء الدراسات ، توصل فريق من العلماء لحقيقة مدهشة تـُـعرف بـالذاكرة البشرية التراكمية المشتركة .
وحتى نفهم هذا المصطلح ، لابد و أن نلقي الضوء سريعاً على كيفية عمل شبكات المعلومات والانترنت ، وهي طريقة بسيطة في مفهومها ولكنها معقدة للغاية في تنفيذها .

(يتبع)
______________
(1) نستطيع أن نرى الفرق بين طفل اليوم وبين جيل الأطفال منذ 25 عاماً أو تزيد ، والفرق واضح بين الطفل الذكي اليوم والطفل الساذج سابقاً .

الجمعة، 22 يناير 2010

الذاكرة : تجربة (1)

من عجيب صنع الخالق - عز و جل - هذا المخلوق العجيب المسمى "الذاكرة" . ففعلياً لا يوجد داخل مخ الإنسان مايسمى بمركز الذاكرة ، بل هو تعاون بين أجزاء المخ في آن .. فهناك ذاكرة بصرية ، ومثلها سمعية ، وشمية وغيرها .
فعندما ترى شخصاً تعرفه ، تخبرك الذاكرة البصرية أن هذه هيئته ، والذاكرة الشمية تؤكد أن هذه رائحته ، وهكذا .. وأمام عمل الذاكرة المعقد والمنظم والمدهش ، اكتشف العلماء حقيقة أخرى عن الذاكرة أصابتهم بالذهول ، وقد يكون أهم وأقوى البحوث العلمية في هذا المجال ، بل في كل المجالات على الإطلاق !!!

بدأ الموضوع بتجربة بسيطة عن زوج فئران أطلقها أحد العلماء في متاهة معقدة ، ليرى قدرتها على التعلم والتذكر . وبعد عدة محاولات حفظت الفئران المتاهة ، وأصبحت تقطع الطريق حتى النهاية دون أن تتوقف أو تتردد لحظة واحدة !!
ولأن ذاك العالم يحتاج إلى فئران أكثر في تجاربه ، فقد ترك هذه الفئران تتزاوج لينتج جيلاً جديداً من الفئران الصغيرة .
وذات يوم خطر ببال العالم أن يختبر قدرة الفئران الوليدة على التذكر والتعلم ، فأطلق بعضها داخل نفس المتاهة ، وكانت المفاجأة !!!! الفئران التي لم تختبر هذه المتاهة قط ولم ترها في حياتها ، عبرت المتاهة حتى خط النهاية دون خطأ واحد وكأنها تعرف مسارها مسبقاً ، أو كأنها ورثت ذاكرة أبويها على نحو أو آخر !!
وانبهر العالم وكرر المحاولة مع فئران وليدة أخرى للزوج نفسه ، فعبرت المتاهة من أول مرة بكل يسر وسهولة .. وهنا كرر العالم المحاولة مع فئران تم توليدها من زوج آخر ، فبدت حائرة تائهة لا تعرف طريقها ، ولم تصل خط النهاية سوى بعد ستة محاولات على الأقل !!! ومع تكرار المحاولات بين فئران زوج المتاهة وفئران أزواج أخرى لم تختبر المتاهة كانت النتائج مبهرة ، وكلها تؤكد أن ذاكرة الأبوين انتقلت لصغارهم ، بحيث يتذكرون كل ماتعلمه الأولون ولو على الأقل لفترة من الزمن .

ففي إحدى تجاربه ، اختار العالم فأرين وليدين من جيل حوى ستة فئران وأطلقهما في المتاهة ، فبلغا خط النهاية دون تردد ، واحتفظ بالفئران الأربعة الأخرى لشهر كامل دون أن يجعلها تختبر المتاهة ، ثم جعلها تختبر المتاهة في الشهر الثاني ، فبلغ واحد منها فقط خط النهاية بعد محاولة واحدة ، بينما احتاج الثلاثة الآخرون إلى ثلاث محاولات حتى تبلغها !!
وفي الجيل الثالث لم يجعل نصف الفئران تختبر المتاهة سوى بعد مرور شهرين كاملين ، فلم يبلغوا جميعهم خط النهاية سوى بعد أربع محاولات !!

كل هذا جعل العالم يستنتج أن الجيل الجديد من الفئران يولد وهو يحمل ذاكرة الأبوين ، ثم لا تلبث هذه الذاكرة الموروثة أن تختبئ في ركن مظلم من المخ لتفسح الطريق أمام الذاكرة المكتسبة كلما مر الوقت وزادت الخبرات . والوسيلة الوحيدة للحفاظ على هذه الذاكرة الموروثة هي تنميتها منذ الأيام والأسابيع الأولى للولادة !
وبعد تكرار التجربة والتيقن من نتائجها ، طرح العالم سؤالاً مهماً :
ترى هل تنطبق هذه النتائج على البشر أيضاً ؟؟؟؟
وهنا كانت التجربة مختلفة .....

(يتبع)