الخميس، 26 يناير 2012

دعوة في زجاجة

كادت الشمس تغرب .. وهما يمشيان برومانسية على ساحل البحر .. يلقي بذراعه على كتفها ويحتويها كطفلة .. وهي تلف ذراعها حول خصره بدلال .. يتبادلان الهمس والضحكات والقبلات الخاطفة .. كان ينظر إليها بشغف وحب شديد ، وهي تخبره كم تتمنى طفلا ً منه .. يشبهه .. كي تشمه وتقبله وتتأمله في لحظات غيابه هو .. كانا يراجعان تفاصيل حياتهما معا ً .. سيارة المستقبل .. البيت وأثاثه وألوانه .. وحتى أسماء أطفالهما الذين مازالوا في علم الغيب .. و ... ظهرت تلك الزجاجة على طرف الساحل ، بعد أن ركلتها موجة خفيفة ، لتستلقي على مرأى منهما ، يداعبها الموج ..

هرولت قافزة نحو الزجاجة وهي تهتف فرحة : "يارب يكون فيها رسالة .. زي الأفلام "
ساعدها في إزالة طحالب من عنق الزجاجة بعد فتحها ، وأخرجوا ورقة قد تغير لونها وريحها جراء رحلتها الطويلة – ربما – عبر البحار .. تسارعت أنفاسها وهي تفض الرسالة بسرعة وفضول ، وحذر ، حتى لا تتمزق .... ووجدت حروفاً تكاد تذوب ولا تكاد تـُـقرأ ....... وبدأت تقرأ ..

"حبيبتي ..... أود أن أناديكِ باسمك .. ولكن يعجز لساني عن نطقه وقد كرهته أكثر من نفسي .. ولا تسأليني حتى لمَ أناديكِ بـ "حبيبتي" .. لا أدري ماذا أقول ولا من أين أبدأ .. لا أدري حتى لمَ أكتب هذه الرسالة ولمن !! ما أعرفه أن لا أحد يسمعني ، وأن هذا متنفسي الوحيد كي لا أموت هماً وكمداً .."

"حبيبتي .. أكرهكِ وأشتهي وصلكِ .. على أنه لم يعذبني أحد سواكِ .. إلى الآن لا أعلم لمَ تركتني !! لمَ تجاهلتني !! أين ذهبت سنين الانتظار وليالي الشوق والعذاب ؟! أين ذهبت وعودكِ لي بألا تكوني لغيري ؟! إلى الآن أبحث عن خطئي الذي تركتني من أجله ، والذي لا أعلم ما هو !! إلى الآن أحمّل نفسي ما لا أطيق من العذاب ، وألتمس الأعذار لكِ ولحبكِ لي ، كي أكون مذنباً في قضيتي معكِ .. وتكونين أنتِ الحمل الوديع الذي تربص به الذئب ، ولكنه أفلت منه .. إلى الآن لم أفهم معنى آخر كلماتك لي ، بأنكِ لم تعودي تشعرين بي ولا بحبي !! ولم يعد هناك ما تقدمينه لي .. وأن اهتمامكِ بي قد توقف !! خاصة وأنكِ لم تذكري سبباَ .. هل يبدأ الحب فجأة وينتهي فجأة ؟؟ هل يفقد الإنسان إحساسه بإنسان فجأة ؟؟ هل فقدتِ انتمائكِ لي فجأة ؟؟ هل تتبخر الوعود فجأة ؟؟ لا أفهم .. لا أفهم !! وأكثر ما لا أفهمه هو لماذا مازلتُ أحبكِ بعد هجركِ لي !! هل كنت مرحلة في حياتكِ انتهى وقتها ؟! هل كنت لعبة مللتها أو وردة فقدت رونقها ، وآن أوان غيرها ؟! سنة وشهر مرت على آخر مكالمة بيننا ، ولا زلت أذكركِ وكأنه الأمس !! وبما أنكِ الصديق الوحيد الذي أعرفه .. والقلب الوحيد الذي ما زلت أستأمنه ، فدعيني أخبركِ بما حصل لي في هذه الأشهر .."

"حبيبتي .. بعد أن كنت لا أعرف إلا طبيب الأنف والأذن والحنجرة ، تعرفت أخيراً على عيادة وطبيب الأمراض النفسية .. وبعد أن كنت أرفض الدواء بأنواعه ، أصبحت لا أنام إلا بمهدئات .. وعرفت الآن فقط لماذا فقد قيس عقله أمام ليلى .. أصبحت أعرف تفاصيل الأرصفة وأنوار الشوارع وزجاج المحلات والسيارات .. لأنني أبحث عنكِ في كل مكان على أمل أن أجدكِ .. حبيبتي .. لا أخبركِ بهذا كي أثير شفقتكِ ، بل لأنني أدركت أن دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب .. وقد قررت أن أدعو عليكِ .. فإذا أجيبت دعوتي ، وندمتِ على ما فعلته معي .. وقتها ستبحثين عني في كل مكان ، وفي كل حبة مطر ، وتحت كل ذرة رمل .. وقتها فقط تذكري عذابي ، وابكِ إن كان ينفعكِ البكاء .. ابكِ حتى لآخر دموع مقلتيكِ .."

"حبيبتي .. دعوتي الأولى أن ينسيني الله إياكِ ، وأن يرزقني بقلب أطهر وأفضل منكِ .. وحب جديد يكون أقوى من حبي الأول ، كي يشفيني الله منكِ ويستخرج سمّكِ من جسدي وروحي .. وكي أؤمن بأن الحب الآخر قد يكون أقوى من الأول .. ودعوتي الثانية .. أن تصلكِ رسالتي هذه وأنتِ مع حب جديد .. في لحظة غروب شمس .. تتهاديان على شاطئ بحر .. وأنتِ تلقين على مسامعه نفس وعودكِ لي .. وأنتِ تخبرينه كم تشتهين طفلاً منه .. يشبهه .. كي تشميه وتقبليه وتتأمليه في لحظات غيابه هو .. فتقرأن رسالتي معاً ، فتنهار كل أحلامكِ ، وأحلامه .."

التوقيع : محب سابق

هناك تعليقان (2):