الخميس، 20 أغسطس 2009

كتف لوحة

يأبى النوم أن يزورني الليلة .. وموج رقيق من أفكار متفرقة يعتريني الآن .. موج به مسحة من حزن ومسحة من صمت ومسحات من نظرات تأمل ..

أعيد الآن ترتيب بعض أوراق قرارت سابقة اتخذتها في حياتي .. وللمرة الأولى أنتبه أن بعض هذه القرارات تم اتخاذها على عجالة من أمرها ، وأمري .. فظلمت نفسي وظلمتها ، وظلمت كل من يرتبط بهذا القرار بسرعة اتخاذه ..
وبعض القرارات بعد التفكير فيها الآن ، أجدني قد أنصفت ، ورافقتني غمامة من حكمة أثناء اتخاذها .. وللمرة الأولى - ربما - أتحقق من صحة مقولة قالها لي أحد المازحين مرة ، ووجدتها الآن حقيقة .. ألا و هي : من الحكمة أن تبتعد أحياناً لترى بشكل أوضح !

الآن .. وبعد أن ابتعدت عنهم وعن أشيائهم ، وابتعدوا عني وعن مساءاتي .. أجدني أرى بوضوح أكبر ، تفاصيل لم أرها في حينها .. والآن عرفت لماذا يبتعد الرسام عن لوحته لينظر إليها من بعيد ! فهو يريد أن يرى التفاصيل .. كل التفاصيل .. وكلما اقترب من لوحته ، كلما قلـّـت التفاصيل التي يراها ، وكلما غابت عن ناظريه تفاصيل أكثر وأعمق ، وربما أهم ! ولهذا يبتعد .. ولكن ، هل لهذا ابتعدوا ؟؟؟؟

هكذا علاقاتنا الإنسانية .. نقترب من بعضنا حدّ الالتصاق .. نبحث في أعماق بعضنا عن تفاصيل تشبهنا .. عن رائحة مريحة ، كرائحة قهوة .. عن دفء أحضان تحتوينا .. ونبالغ في بحثنا عن أدق تفاصيل اللوحة ، ونبالغ في بحثنا عن أفضلها وأقلها شوائب ! حتى إذا وجدناها اقتربنا منها أكثر ، فلا نعود نرى سواها .. فنذوب فيها عشقاً وهياماً .. ونغفل التفاصيل الأخرى العارية .. الواضحة العري .. عديمة اللون .. عديمة الرائحة .. عديمة الدفء ! ونطمع أن يكون تفصيل واحد طاغياً على كل التفاصيل ..

وفي لحظة من لحظات صدمة عاطفية .. نبتعد لالتقاط أنفاس مقطوعة من لهاث ركض وراء ظل لا صاحب له ! وحين نبتعد وننظر للوحة ، تفاجئنا تفاصيل باهتة .. ويفاجئنا ألا شيء جذاب في اللوحة سوى تلك البقعة الساحرة التي جذبتنا .. ولا يفاجئنا غبائنا باستغباء أنفسنا وتحاشي النظر للوحة كاملة منذ البداية !!

ومايفطر القلب ألا وقت للنظر في لوحة جديدة ، أو التعمق في تفاصيل جديدة .. فلا قوة على الوقوف .. ولا قوة على النظر .. ولا قوة على الشم .. ولا قوة على الثقة .. ولا قوة على الاحتضان .. ولا قوة على الخوف .. ولا قوة على التفكير .. وتصبح جميع أجزاء الجسد خاوية ميتة .. فلا تغرينا أجساد ولا أرواح .. ولا نعود نبحث بعدها عن عطر يأسر الإحساس .. أو صدر يخبيء الدموع .. أو شفتين ترويان عطش الطريق .. وتجف آبار عطائنا بعد أن يمتصوا رحيق حناننا .. ولا يعود لنا من همّ سوى البحث عن جزء واحد في الجسد ........ كتف .. كتف فقط نستند عليه لنقف من جديد .. ووقتها لا يغدو لأي شيء قيمة .. لا لفتات قلوبنا .. ولا لشتات أرواحنا .. ولا حتى للوحة علاقاتنا الباهتة ..

إلى أناس مروا من هنا ، ولم يتركوا سوى غبار ذكرى أصاب إحساسي بزكام حاد : "ليه كذا ليه وش سويت لك ؟؟ اللي حبيته لعمري .. ياعمري .. حبيته لك !"

هناك 6 تعليقات:

  1. أزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.

    ردحذف
  2. انا سعيدة بكوني اول من قرأ هذا المقال الجميل الذي رفع الستار عن كثير من الذكريات العذبة التي لايبقى للانسان من ماضيه سواها فهذه هي حياتي سيل من الذكريات المنسية .... لكن ياترى كم من لوحة في حياتي لم ارها بوضوح وهل لوحتي الاخيرة باهته وانا لاافقه ذلك ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

    ردحذف
  3. لا زلت يا يا ابو الهش في نظراتك السوداوية والتي

    تعتمد في اسلوبها على جلد الذات وجلد الالعادات

    انا معاك ان لابد من النقد لكن على ان لا يجرفني

    الى السواد يا عمي اذا انت طفشان كلمني وانا اونسك

    بعدين اذا انت استمتعت بجزء من اللوحة فليس شرطا

    ان تعجبك اللوحة كاملة عليك ان تتاقلم مع الممتع

    فيها وتجاهل السيئ منها

    جميعنا نمر بلحظة يأس واحباط شديدين

    لكن في بعض الاحيان نستطيع تجاوزها وفي البعض الاخر

    تضل نقطة سوداء في قلوبنا لا علاج لها الا الزمن

    هو الكفيل بتجازوها وايضا صديق صدوووووق

    وزوجه صالحة هذا هو العلاج في نظري

    وتظل يا هشومي ذو فكر عالى وتصوير خيالي اكثر من

    رائع وربط هذا الخيال بالواقع في اسلوب جميل

    ومقبول بل اكثر من رائع

    واخيرا لست نادما على وضع صفحتك في قائمةالمفضلة لدي

    شئ جميل وكل سنه وانت طيب

    ورمضان كريم

    اخوك / نايف

    ردحذف
  4. عزيزتي سارة ..
    السعادة لي منها نصيب بكونك أول من تردين ..
    الحل لمعضلتك بالنسبة لبهتان لوحتك الأخيرة من لمعانها ، هو أن لا تعتبريها لوحتك الأخيرة .. ولتظني دائماً خيراً ، بأن هناك لوحة أرقى وأجمل من كل لوحات العالم ، وبها ابتسامة تضاهي ابتسامة الجيوكندا (الموناليزا) .. فالأمل من يعطينا القوة على الحياة .. ولا أمل دون إيمان ..

    ردحذف
  5. أهلاً بالمشاكس نايف ..
    لم أجلد ذاتي ولا عاداتي في هذا المقال ، بل جلدت من يخذلوننا ونحن في أعلى قمة للحنين .. وأعلى قمة للعطاء .. ويذروننا في العراء في يوم عاصف ..
    وصدقني ياصديقي .. لم أشترط يوماً أن تكون اللوحة كاملة ، لقناعتي بعدم كمال شيء ، ولأن الكمال يكمن في نقص المخلوق ، فهذا كماله وهذا ما يليق به ..
    لكن يبدأ بكاء الأطفال عندما تسلبه متعته الوحيدة وبقعته الوحيدة الجميلة ..

    أوافقك على مبدأ الصديق الصدوق الذي شح هذه الأيام ، و أبشرك بأن الله عوضني كثيراً بزوجة أكثر من رائعة ولله الحمد والمنة ..

    لا أدري ما أعلق على إضافتك لزوايتي لمفضلتك سوى أن أقول : لعلك وجدت بقعة جميلة في لوحتي ، ولم تنظر لباقي اللوحة :) أدام الله هذه البقعة عليك وعليّ ..

    تحياتي لك وكل عام وأنت بخير
    رمضان كريم

    ردحذف
  6. دائماً أخي هشام
    تجبرنا أن نرفع القبعة
    إحتراماً لشخصك.....
    وتقديراً لفكرك النير.......

    كلماتك همست في أُذني ..... بأني لست بفنان
    لأني كنت أرسم لوحتي واقفاً بقربها بالساعات بل بالسنوات

    ولم أراها حقيقةً إلا بعد ما سقطتُ صُدفةً
    رأيت تفاصيلها
    وبان ضعفها


    فمسحتها

    وسأعيد رسمها
    ولكن سأقترب وأبتعد
    وسأسقُطُ عنوةً هذة المرة
    لكي لا أضطر لإعادت رسمها من جديد

    ولكي تبقي لوحتي جميلة للأبد


    4
    work fellows

    ردحذف