السبت، 29 أغسطس 2009

الخلاف بسبب الاختلاف

من أهم الثقافات التي فرطنا و أفرطنا في تعاطيها ، هما ثقافتي الاختلاف والتصنيف .. ففرطنا في ثقافة الاختلاف ، وأفرطنا في ثقافة التصنيف ..
وللتوضيح أكثر ، فإننا نفرط في تصنيفنا للآخرين على جميع الأصعدة وخاصة على الصعيد الفكري والمذهبي .. والعرقي وغيره لهم نصيب ..
وهذا الداء المنتشر فينا يطال كل المجددين في أمور دنيانا وديننا .. فتجدنا لا نسمع ولا نعي ما يقولون ، ولا نهتم بما لديهم من علم وسعة أفق ، بقدر ما نهتم بتصنيفهم : هذا علماني ، هذا ليبرالي ، هذا سلفي ، هذا مستشرق ... إلخ من التصنيفات العجيبة التي لا تقدم ولا تؤخر . وهذا الاتجاه أدى بنا إلى تعطيل عجلة الحياة كثيراً وتعطيل تطويرنا لذواتنا ولطريقة معيشتنا لأن بعضنا لا يتبع بعضاً مادام قائد الفكرة أو قائد الاتجاه ليس على مذهبه أو فكره ، حتى ولو كانت الفكرة أو الاتجاه لا تخالف شرعاً ولا ملة !!!

وعلى سبيل المثال لا الحصر ، تصنيف الأستاذ أحمد الشقيري - بكل ما يقدمه - على أنه علماني !!! فتجد معارضيه لا ينظرون لما أجاد فيه وأثبته من صحيح الكتاب والسنة وأقره عليه علماء أجلاء ، بل ينظرون لسقطاته وهفواته ، ويصرون أنه مادام قد أخطأ في قول أو فكرة فإنه يجب رفضه كلياً ، و رفض كل ما يقوله !! وهذا تعطيل لكثير من الأمور الجديدة والأفكار اللامعة التي لا تخالف شرعنا ولا عاداتنا !! ومثله الأستاذ عمرو خالد ، وغيرهما ..

وعلى الجانب الآخر ، تجدنا فرطنا في ثقافة الاختلاف فلم نعمل بها ، بل ولا نعرفها أصلاً ! فلا نستطيع أن نتقبل اختلافاتنا الفردية والجماعية والمذهبية والفكرية ، ولا نفهم أن لكل شخص ميوله واعتقاده وفكره المختلف عن الآخرين . بل إن الأخوين في بيت واحد بتربية واحدة لهما تفكيران مختلفان يعتنقانهما . نسينا أن الاختلاف رحمة ، وأن الصحابة والتابعين وأئمة المذاهب الأربعة اختلفوا مذهباً وفكراً ، ولكن لم يعب بعضهم على بعض ، ولم يتنقص بعضهم من قدر بعض ، وكانوا يأخذون العلم عن بعض ، فاختلفوا مذهباً ولم يختلفوا اتجاهاً .

بدلاً من إضاعة وقتنا في تصنيف بعضنا ، والبحث عن هفوات إخواننا وأصدقائنا وأزواجنا ، فلنفهم أولاً أن كلاً منا يختلف عن الآخر في تربيته وتفكيره وأسلوبه ، ولو كنا في نفس الدولة وعلى نفس المذهب ونفس العادات والتقاليد .
ولنفهم بعدها كيف نتقبل الآخر باختلافاته ، وأنه وإن اختلفنا مع شخص ما ، فهذا لا يعني بالضرورة أن أحدنا على خطأ والآخر على صواب ، بل قد يصح أن كلينا على صواب أو كلينا على خطأ . ولنتعلم بعدها كيف نمسك العصا من منتصفها ، وكيف نقبل بأنصاف الحلول مادام الحل لا يقض عرى الدين أولاً ولا العرف ثانياً .
لن يتبقى وقتها سوى أن نأخذ ونعمل بكل ما يقوله الآخر مادام مؤصلاً شرعاً بالقرآن وصحيح الأحاديث ، ولننبذ كل ما لا يوافق كتاباً ولا سنة ، دون أن يفرقنا الخلاف على الاختلاف أو يشحننا بالسوالب . أو مادام الأمر لا يخالف العرف ولا يقلل من كرامة الشخص (في الأمور غير الدينية) .

ولا أنسى أن أنوه بأن الناس في اختلاف نقاشاتهم قد تجدهم متسلحين بأدلة صحيحة وثابتة ومنطق مقنع ، ومع ذلك قد يكون رأيهم خطأ ، أو استدلالهم ليس في محله ، أو تكون الآية منسوخة حكماً ! خاصة لمن يستدل بآية أو شطر آية ولايكمل باقي الآية أو لا يلقي بالاً لسياق الآية وماقبلها ومابعدها من الآيات ، وكذلك من يستشهد بشطر حديث ولا يكمل باقي الحديث الذي قد يهد رأيه من أساسه .

سؤال : إذا كان الله قد قبل لنا الاختلاف في أعظم أمور الحياة وعمودها وهو الدين ، أفلا نقبل على أنفسنا اختلافنا عن الآخرين واختلاف الآخرين عنا في أمور الحياة ونظرتنا المختلفة لها ؟!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق