الاثنين، 25 يناير 2010

الذاكرة : شبكة المعلومات العقلية (3)

عندما يقوم كل فرد وكل مجموعة رسمية وغير رسمية على هذا الكوكب بإضافة أفكاره ومعلوماته إلى شبكة الانترنت ، تصبح تلك المعلومات متاحة لجميع مستخدمي الشبكة ، مما يعني أن هذه المعلومات الفردية من العقول الفردية كونت فيما بينها شبكة هائلة لا حدود لها لأنها تتسع كل يوم .
وكذلك الاتصالات عبارة عن شبكة واسعة تربطها الأقمار الصناعية ، مما جعل اتصال شخص من ساحل العاج بصديقه في جزر الواق واق أمراً أسهل من شرب الماء .
وما أثبته العلم مؤخراً أن عقولنا - عقول البشر - تصنع فيما بينها شبكة عقلية معلوماتية بلا حدود .. فكل منا - مهما كانت قدراته - لديه القدرة على قراءة عقول الآخرين ، واكتساب الخبرات منهم ، والاستعانة بتجاربهم ، وتبادل التحذيرات والمعلومات معهم !

هناك العديد من السمات البشرية التي أخمدها التطور وقضت عليها حضارة البشر في العقول البشرية . فالإنسان القديم مثلاً كانت لديه القدرة على تحريك صماخ الأذن نحو مصادر الأصوات ، وكانت هذه قدرة معتادة حتى لم يعد الإنسان يحتاج إليها لعدم خروجه للصيد إلا للتسلية ، فضمرت تلك السمة إلا من عدد محدود من البشر .
وكل الناس - تقريباً - قديماً كانت لديهم غريزة التنبؤ بالخطر ، إلا أنها ضمرت كسابقتها مع تطور وسائل وأجهزة الأمن والحماية ، ولكنها تظهر في مواقف متفرقة ، كجزع الأم المفاجئ على ابنها الذي يبعد عنها آلاف الأميال عندما يصيبه مكروه ، وكحادثة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - مع سارية ، وهذا ينطبق أيضاً على شبكة المعلومات العقلية أو المخية .
فقديماً كان أفراد القبيلة الواحدة يشعرون ببعضهم بعضاً ، ويمكن لكل منهم قراءة أفكار ومعلومات ومخاطر الآخرين دون الحاجة إلى الحديث . ولازلنا نرى مثل هذه المشاهد في السينما الأمريكية ولا نستغربها !

إذاً المخ البشري يحوي وسيلة اتصال بأمخاخ الآخرين ، ولكن هذه السمة ضمرت مع التطور والحضارة . وبالمعنى العلمي : نحن نولد بهذه القدرات ، ولكننا نفقدها مع الزمن وفقاً لنظرية داروين التي تنص على أن : "العضو المستعمل ينمو ، والعضو المهمل يضمر" ويماثلها : "القدرة المستعملة تنمو ، وغير المستعملة تضمر" .
ويعني هذا أنه بعد عام أو اثنين من الولادة ، ومع عدم تنمية قدرة الاتصال العقلي ، يفقد الإنسان هذه السمة ، فلا يعود يتذكر بعدها طبخاً ولا قيادة سيارات ، ولا حتى يصبح قادراً على التواصل العقلي !!!
والحل الوحيد لهذه المعضلة هو تنمية هذه القدرات منذ الولادة .. وقد كان !
فقد لاحظ العلماء أن التوائم المتماثلة ، والأطفال الذين يولدون في مكان واحد ، يمكنهم التواصل دون أن يتخاطبوا ، بل حتى قبل أن يمتلكوا القدرة على الكلام ، ودون حتى أن تتطور لغتهم ! وبدأ العلماء تجاربهم من هذا المنطلق .

ترك العلماء مجموعة من الصغار يتواصلون ويتحدثون ويتشاركون معلوماتهم بعقولهم ، في بيئة مدروسة وراقية ، حتى بلغوا الثالثة من العمر .. وكانت النتائج مدهشة !!
الصغار طوروا فيما بينهم شبكة معلومات عقلية أصبحوا يتواصلون من خلالها دون الحاجة إلى التخاطب . ففي حجرة منفصلة وضع أحد العلماء طفلاً وأمامه عدة أشكال من بينها مكعب أحمر . وما أن لمس الطفل هذا المكعب حتى سرى في جسده تيار كهربي مدروس جعل الطفل ينفر منه ولا يلعب به .
وبعدها أحضروا طفلاً آخر ووضعوا أمامه نفس الأشكال ، فلعب بها كلها سوى المكعب الأحمر . على أنه لم يلتق الطفل الأول الذي تم وضعه في حجرة خاصة !! وتكرر الأمر مع الطفل الثاني والثالث والرابع .... وتكررت التجربة للمرة الثانية والخامسة والعاشرة ، وكانت النتيجة واحدة .. جميع الأطفال بعد الطفل الأول لم يلعبوا بالمكعب الأحمر ، وأبدوا تخوفهم منه عندما تم إجبارهم على اللعب به !!
وكانت النتيجة واضحة .
الطفل الأول نقل جميع خبراته ومعلوماته إلى عقول الأطفال الآخرين دون حتى أن يلتقي بهم ، عبر شبكة عقلية غير مرئية فائقة التردد !

وكان من الممكن أن تستمر مثل هذه التجارب ، لولا تدخل منظمات الطفولة ومنعها إجراء التجارب على الأطفال . ولكن العلماء كانوا قد وصلوا إلى مرحلة أثبتوا فيها وجود هذه الشبكة العقلية ، وبدأوا في دراستها وتطويرها بالفعل ، وكان لهذا الفضل - بعد الله سبحانه وتعالى - في تفسير كثير من الظواهر التي عجز العلم عن تفسيرها لسنوات ، وأهمها فكرة تناسخ الأرواح ، والتي توصل العلماء لحقائق عجيبة عنها ، قد لا تقرأها أو تسمع بها حتى في أعظم روايات الخيال العلمي تفاؤلاً وجنوناً .
(يتبع)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق