السبت، 4 يوليو 2009

أعناق و أرزاق

<مالك فطور معنا .. يا نذل !!>
تصبـّـح "خالد" مدير شؤون الموظفين الشاب بهذه العبارة من زملاءه في الشركة ؛ فانعقد حاجباه في استغراب ، وعلى شفتيه ابتسامة مستفهمة لهذه الظهور الموجهة له بعد أن أدار الكل وجوههم له مكملين إفطارهم غير عابئين بوجوده !!
بدايةً ، شعر أن في الأمر مزحة ما .. ولكن عندما همّ بالاقتراب منهم ليفطر معهم كما يحدث كل يوم ، فاجأه أكبرهم سناً والذي يفوقه عمراً بعقدين أو ثلاث والذي يعمل تحت إمرته وفي إدارته ؛ بصيحة هادرة مكرراً :
<قلت لك مافي فطور .. اقلب وجهك !!>

اعتدل "خالد" في وقفته مسترجعاً بذاكرته الحديدية أي أحداث قد تكون صدرت منه و أدت إلى ردة الفعل الهجومية الجماعية هذه .. ولكنه لم يهتد لشيء ؛ أو أن ذاكرته صنفت جميع الأحداث والذكريات على أنها إيجابية !
ولم يلبث "خالد" أن تسائل باهتمام :
<خير ياجماعة !! خير يبو سعود ، وش صاير !!>
التفت أحد (شيّاب) الشركة وقدمائها إلى "خالد" ولقمة فول كبيرة تصنع كرة على جانب فمه قائلاً بحدّة :
<عن الهبل يا ورع ولا تسوقها>
استفزت الكلمة "خالد" فأجاب بسرعة :
<لا تسوقوها أنتم واتكلموا بصراحة .. وبدل أسلوب اللف والدوران قولوا وش مضايقكم ولو كنت غلطان ابشروا بالحق>
أجابه "أبو سعود" كبير مخضرمي شؤون الموظفين والذي يعمل تحت إدارة "خالد" الشاب :
<الحين انت يالبزر ياللي ماكملت 7 شهور في الشركة تفصل "أبو ماجد" اللي من قبل تولد وهو يشتغل في الشركة ؟>
تراخت أعصاب "خالد" المشدودة وبدت بسمة ثقة على شفتيه وهو يقول :
<الحين هذا اللي مزعلكم ؟؟؟ ياجماعة الخير مو أنا اللي فصلت "أبو ماجد" .. "أبو ماجد" هو اللي فصل نفسه بإهماله لعمله وتحايله على قوانين الشركة وقوانين مكتب العمل .. هذا غير تزويره للتقارير الطبية اللي يجيبها من عند معارفه بالمستشفيات .. وغياباته واستئذاناته المتكررة بدون مايعطي أحد خبر وكأن الشركة هذي مالها أحد يديرها .. وكفاية شغله المتأخر وإنتاجيته القليلة في العمل .. وبعد هذا كله تتهموني بإني فصلته !!!!! أنا مجرد منظم و منفذ للقوانين وحامي لأموال شركة صاحبها ائتمني على حلاله !!>

لم يعجب التحليل المنطقي "أبو سعود" فقال بإزدراء :
<ماسمعت بالمثل اللي يقول : قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق ؟؟>
كرر "خالد" كلامه في صبر :
<يبو سعود أنا ماقطعت رزق أحد ولا عنق أحد .. لكن لما يكون الموظف متهاون في عمله ، ونحذره مرة واثنين وثلاث وهو معتمد على كبر سنه وقدمه في الشركة ومتوقع إنه فوق المساءلة ، بتكون هذه هي النتيجة ...... أنا ما أقدر أحابي أحد في الوظيفة حتى لو كان أخوي أو ولدي .. هذا مال ناس مو مال سايب أو مال سبيل .. وإذا كان "أبو ماجد" مو قادر يقوم بالوظيفة فغيره عشرات الآلاف في الشوارع يتمنوا نص راتبه وضعف شغله وراضيين .. وإذا حياء "أبو ماجد" ما منعه من هذي التصرفات ، فليش احنا نتغاضى بإسم الحياء أو بإسم الصحبة والصداقة والعشرة !!!! يعني يوم غلط "أبو ماجد" ماقلتوا شي ، ويوم إننا نتبع قوانين دولة وقوانين شركة نكون غلطانين ؟؟؟ هذا سبب تأخرنا عن التطور والتقدم ، وسبب إن ناس كثيرين قاعدين في مناصب وهم مايستاهلونها .. عالة على الدولة وعلى الشركة وعلى ناس هم أولى بهذي المناصب !>

غمغم أحد الجلوس قائلاً :
<مو قلت لكم ماعنده سالفة .. بيشوف نفسه أول مايترسم....>
رد "خالد" موضحاً :
<ياجماعة الخير المسألة ماهي مسألة شخصية .. المسألة مهنية بحتة ، مهما كانت العلاقة طيبة بيني وبينكم .. لازم نفصل بين العلاقات الشخصية والعمل وإلا الدنيا بتصير فوضى والإنتاجية راح تقلّ ؛ وإذا قلـّـت الإنتاجية موارد الشركة راح تقل .. وهذا طبعاً في ظل زيادة مصروفات الشركة لأنها بتدفع رواتب لناس ماتشتغل .. وأكيد الشركة بتفلس وكلنا بنصير في الشارع .. ايش رأيكم ؟؟؟ كلنا نصير في الشارع والا الغلطان بس يطلع الشارع ؟؟؟>

بعد لحظات من الصمت والتفكير والخوف من البوح بالإجابة التي يعرفها الجميع ، أجابه أحدهم :
<عن الفلسفة بس .. مالك فطور يعني مالك فطور .. ومثل ماقطعت رزقه بنقطع رزقك ومابتفطر معنا !!>
رد خالد بابتسامة هادئة :
<هذا وأنا قاط معكم بالشهرية في الفطور .. أجل لو ماقطيت معكم وش تسوون ؟؟>
أدار الكل ظهورهم مكملين وجبة الإفطار الممتدة لأكثر من 45 دقيقة حتى الآن .. و همّ "خالد" بالمغادرة عندما تذكر شيئاً فاستادر مرة أخرى قائلاً بنبرة فهمها الجميع :
<يكون بعلمكم .. مصير "أبو ماجد" حيكون مصير كل اللي يتهاون في عمله وكل اللي يزود مدة الفطور عن ربع ساعة .. وهذا كرم من الإدارة والا المفروض مافي وقت للفطور وتعطيل مصالح خلق الله>
و غصّ الفول في حلوق الجميع !!!!

هناك تعليقان (2):

  1. مرحبا هشام
    صياغه جيده جدا للقصة
    وبصراحه انا مع تصرف خالد لأن الانسان لازم يكون أمين في عمله يعني بالله علشان هذا صاحبي او اقدم مني يقصر عادي
    ذكرتني بقصة واحده زميلة والدتي دايما تغيب وتستأذن ودايما حجتها انا من زمان بشتغل ولازم دحين ارتاح لا هيا تاخذ فلوس وما تحللها مدري كيف راضين هالفلوس على انفسهم
    علشان كذا من جد هالدوله ما بتطور دام في ناس بذا الشكل ودام فيتامين واو (لواسطه )موجود

    من جد قصه هادفه واسلوب رائع سلمت الايادي ياميشو
    إحترامي لكـ ولقلمك
    الاخصائية الاجتماعيه يــارا

    ردحذف
  2. أهلاً يارا ..
    أشكرك على تفاعلك ورأيك ..

    تحياتي

    ردحذف