الأربعاء، 8 يوليو 2009

نظام سابا

من أكثر الحـُـجج سخافة ، حـُـجة "الطبع يغلب التطبع" .. فتجد كل من لديه سلبية أخلاقية أو نقص أخلاقي أو على الأقل خصلة تضايق المحيطين به ولو لم تكن سلبية ، يسارع بإلقاء العبارة على مسامعك ، وكأنها قرآن منزل يجب العمل بمقتضاها !
في الحقيقة لا تستفزني عبارة مثل هذه العبارة .. أو هي من أكثر العبارات التي أسمعها استفزازاً ..
فبعضهم يرفض النصيحة أو حتى الاستماع لها .. ويرفضها ولو حتى من باب النقاش وإيجاد الحلول !

فتجد في هذه القائمة كثيراً من المدخنين والمفحطين والمتعصبين (الرياضيين والعرقيين والقبليين والمذهبيين والذكوريين ... إلخ) وغيرهم ؛ ومعظم المنتمين لهذه الفئات يرفضون تغيير طباعهم وعاداتهم رافعين شعار هذه الحجة السخيفة !
فالمدخن يرفض قطع هذه العادة الخبيثة بحجة إدمانه وتغلغل النيكوتين في خلاياه وعظامه ونخاع عظامه !!
والمفحط يتحجج بعشقه للسيارات أو باتهامه بجهل مناقشه للذة ممارسة حركات الموت ولذة بث الأدرينالين في الأوردة والشرايين !!
والمتعصب لناديه يرفض أي نقاش أو إساءة لناديه (وقد يقبلها على نفسه) بحجة تعلقه بالكرة أو باتهامه بجهل عاشق النادي المنافس للتاريخ الكروي والرياضي وجهله بأبسط قواعد الكرة ! والتعصب العرقي والمذهبي والقبلي والذكوري لا يخفى عليكم ..

آخذكم الآن عبر الزمان لقرون مضت ولما قبل مبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسنوات ..
ولن أتحدث عن كل من عاش في تلك القرون الأولى ، بل سأختصر حديثي عن فئة الكهول (وهي الفئة التي جاوزت سن الثالثة والثلاثين في أوسط الأقوال) ..
كان الناس مدمنو خمر ، مدمنو نساء ، متعصبون لعشائرهم ومن ثم قبائلهم ومن ثم عرقهم العربي ومن ثم ذكوريتهم المزعومة .. كانوا قاطعي رحم ، مرابين ، وائدي بنات ، هاضمي حقوق ... إلخ من الصفات والعادات السيئة المركبة والمعقدة والمتوارثة جيلاً بعد جيل و التي يعجز عن تقويمها أعظم الأطباء و أخصائيي ومستشاري علم السلوك الإنساني والاجتماعي والنفسي!

ثم بـُـعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ناهياً عن الخمر ، ناهياً عن الزنا ، ناهياً عن وأد البنات ، ناهياً عن التعصب للقبيلة واللون والجنس .. فسمع الناس وأطاعوا .. لم يقل أحد "هذا طبعي والطبع يغلب التطبع" !! لم يقل أحد "بعد ما شاب ودوه الكتـّـاب" !! لم يتعلل أحدهم بعمره أو بمرضه أو بوضعه الاجتماعي أو المالي (و إن كان هذا هو سبب كفر أبو جهل على سبيل المثال مع إيمانه بصدق الدعوة في باطنه) !!

هل التوقف عن التدخين أصعب ، أم التوقف عن إدمان الخمر أصعب ؟؟؟
هل التوقف عن العادة السرية أصعب ، أم التوقف عن الزنا أصعب ؟؟؟
هل التوقف عن إذلال البنات وعضلهنّ أصعب ، أم التوقف عن وأد البنات أصعب ؟؟؟
هل التوقف عن التعصب للنادي والتعصب للرأي والتعصب للخلق السيء فينا أصعب ، أم التوقف عن التعصب للقبيلة وللوضع الاجتماعي والمادي واللون أصعب ؟؟؟
هل تغييرك لطبعك أصعب من تغيير سيد قرشيّ لطبعه ، فأصبح في غمضة عين يأكل مع عبده ويقف بجانبه في الصلاة ويعتذر له ويجاهد معه ، في الوقت الذي ما زلنا مع كل علمنا وثقافتنا ننظر لبعض الجنسيات بدونيّة ؟؟؟
إن هذا لشيء عجاب !!!

من الأشياء المثيرة للحزن أن تفرقك السنون عن بعض من تربطك بهم علاقة .. ولكن مايجعل الأمر أكثر حزناً أن تقابله بعد كل هذه السنون لتجده كما هو لم يتغير ولم يتزحزح قيد أنملة عن موضع أخلاقه وعاداته السيئة .. والمثير للدهشة أننا نستمتع بقول الآخرين لنا : "يااااااه يا فلان ، تصدق بعد السنين هذي كلها انت زي ما انت ما اتغيرت !!!" قد تثير عبارة كهذه فرحي إذا قصد المتحدث أن طباعي الحسنة لم تتغير ، ولكنها قد تكون أشبه بصاعقة لو كان يقصد الجانب السيء فيّ !
ومَن منا يسأل ماذا يقصد المتحدث !!!!

لن أدعوك للتغيير والتطوير ، فلعل ثقافتك في هذا المجال تفوقني .. ولكن يكفيني أن أنير لك زاوية مظلمة قد تكون مررت بها ولكنك لم تعرها انتباهاً كافياً .. أو لعل متراكمات الموروثات من الأقوال أثقلت كواهلنا عن النظر بتمعنّ أو التفكير لوقت كافٍ في صحة بعض هذه الموروثات أو جدوى توارثها أو العمل بها (ولنا حديث آخر إن شاءالله عن موروثات الأفعال) ..

بيدك التغيير وبيدك أن تعيش على نظام نيكول سابا ..
فقد أدت (ولم تغنِّ) أغنية بائسة ..
الأغنية تقول كلماتها : "أنا طبعي كدا .. وبحب كدا .. وبحب أعيش ومعنديش إلا كدا .. دي حياتي أنا .. دي ملكي أنا .. وأنا مهما يكون برضو حكون زي ما أنا" (يعني بالمختصر زي اللي تقول أنا مخي جزمة قديمة وماحتغير ولو مو عاجبك اشرب من البحر)
يتهيأ لي نظام سابا مرة كويس ويناسب ناس كثير ، خاصة اللذين يتسائلون "ولماذا التغيير ؟؟" .. بس فيه النظام اللي أكوس منه ويناسب الناس اللذين يتسائلون "كيف التغيير ؟؟" !!

هناك تعليقان (2):

  1. رائع في وصف تلك الفلسفات الفارغه التي تغلغلت في عقولنا منذ ان كنا صغار وكثير ما اسمع تلك العباره ولكن والحق يقال أنني لم أتوقف لأنتقدها أو لأفكر فيها .. بالرغم من عدم ايماني بها وأن التغير يأتي من داخل الإنسان فقط إذا أردا هو ولكن من لا يريد فتلك هي حجته الطبع يغلب التطبع حجه واهيه تجعل الانسان لا يبحث عن التطور أبدا في حياته ورساله سلبيه يوجهها لنفسه بأنه مهما أراد أن يتغير مستحيل أنا متعود على كذاوللأسف واجهت ناس بحياتي من تلك الفئه مملين بروتينهم لا يبحثوا عن التجديد لأنهم لا يستطيعوا التغير
    ولكن لي سؤال أوجهه لك صحيح أني أخصائية إجتماعيه أرفض التعميم ولكن أثناء قرأتي لمقالك جا على بالي المثل اللي يقول (ذيل الكلب عمره ما ينعدل ) ,وأنت بكرامه هل ينطبق كلامك السابق أيضا على ذلك المثل ؟؟!!

    الاخصائية الاجتماعيه يارا

    ردحذف
  2. أهلاً يارا ..
    إجابة على سؤالك فيما يتعلق بـ (ذيل الكلب) ، أذكر لك آية من كتاب الله قد تكون كافية للرد .. بل هي أبلغ من أي رد ..
    قال تعالى : (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) ..

    إذا بحثتِ في بحر اللغة العربية لوجدتِ لكل حكمة أو مثل مايضادها في المعنى .. والأصح بينهما هو ما وافق الشرع ووافق فطرة الله في خلق الإنسان ..
    بجعبتي رأي قد ينأى بنا لزاوية أخرى مختلفة ، لذلك أكتفي بذلك وأرجو أن يكون رأيي واضحاً ..

    تحياتي يارا ..

    ردحذف