الاثنين، 22 يونيو 2009

حلوة يابلدي (2)

خمس مقاعد في وسط الطائرة احتل أحمد أولها ، تليه شقيقته ثم أمه ثم قائد الرحلة "حمدي" .. وفي المقعد الخامس بجوار "حمدي" جلس رجل سعودي أربعيني ، تبدو عليه سمات الوقار .. وعندما أطفئت علامة ربط أحزمة المقاعد ، لم يستطع "حمدي" أن يتمالك نفسه من أن يلتفت صوب جاره السعودي معرفاً بنفسه بحماس ، شارحاً رحلته البطوطية هو وأسرته إلى السعودية !
ولم يغب عن السعودي محاولات "حمدي" للاستعراض بمعلوماته عن آثار السعودية ، وببساطة سأل السعودي : انت مين اقترح عليك تصيّف في السعودية ؟
رد "حمدي" بفخر : كانت فكرتي بصراحة ، لأن الآثار كتيرة في السعودية ؟
سأل السعودي باهتمام : وهل زرت آثار مصر كلها ؟؟
تلعثم "حمدي" وهو يجيب : مش كلها يعني ، لكن أدينا بننوع !!
رد السعودي بهدوء : السعودية كما تفضلت يبو أحمد فيها آثار كثيرة لكن ماحتعرف توصل لشي وحتعاني من عقبات كثيرة !!
ظهر التوتر في صوت "حمدي" وهو يقول : قصدك ايه يا أستاذ ؟؟
ابتسم السعودي بهدوء وهو يقول : أي سائح يحتاج أكثر من مجرد معرفته بتاريخ وآثار بلد معينة .. بمعنى ، لا يكفي يا أستاذ حمدي إنك تعرف إن فيه أثر معين في الطائف ، أو أثر آخر في الرياض أو المكان الفلاني ، لازم يكون عندك مرشد سياحي .. أو على الأقل كتيب إرشاد سياحي .. وهذي الحاجات للأسف من الرفاهيات اللي لا المواطن السعودي ولا السائح الأجنبي بيلاقوها !
توتر "حمدي" وتسارعت كلماته مدافعاً : بس أكيد سواقين التكاسي عارفين برضو لو قلت لهم !
لم تفارق السعودي ابتسامته وهو يقول : سواقين التكاسي ممكن يودوك عنوان انت توصفه لهم بالمللي .. أو يودوك فندق معين أو ماشابه .. لكن تقول له آثار !!!! ما أظن .. هذا غير إن بعض مناطق السعودية اللي انت مخطط تروحها مافيها تكاسي أصلا !
اتسعت عينا "حمدي" في ذعر وهو يردد : مفيش تكاسي !!!! طب نأجر عربية أو ناخد مواصلة عامة .. ولا ماعندكمش ؟؟؟
ضحك السعودي ضحكة قصيرة وقال وباصات خط البلدة تمرّ بمخيلته : تقدر تأجر سيارة يا أستاذ حمدي ، لكن حنرجع للمشكلة الأولى ، يلزمك دليل سياحي أو كتيب إرشاد سياحي ! وبالنسبة للمواصلات العامة فما عندنا غير التكاسي ، ومثل ماقلت لك مو في كل المدن ! يعني لا باصات ولا قطارات ولا أي شي !
ازداد إحباط "حمدي" عندما أكمل السعودي : وبعدين حتى لو معاك سيارة ومعاك كتيب سياحي ، وارد جداً إنك تمر من جنب الأثر أو المعلم وماتعرف إنك مريت من جنبه ، لأنه ببساطة مو مكتوب عليه أي لوحة تعريفية أو حتى تحذيرية إنه أثر ! وهذا طبعاً لو كنت محظوظ ولقيت في الشوارع أي لوحة إرشادية توضح أماكن واتجاهات الآثار والمتاحف !!
كاد "حمدي" أن يهتف بسائق الطائرة أن ينزله هو وأسرته في أي حتة على جنب ، لولا أن تذكر فجأة أنه ليس هناك سائق طائرة وإنما كابتن طائرة ، وأنهم في الجو وبالتأكيد مفيش أي حتة على جنب !

***

أول مالاحظته "أم أحمد" عند وصولهم لمطار جدة حالة جمود عضلات الوجه عند السعوديين العاملين في المطار ! أو بمعنى آخر ، حالة العبوس وعدم الابتسام ، والتي تستطيع رؤيتها في جميع الوجوه ، وكأنه وباء جماعي أو نوع من انفلونزا الابتسامات أصاب الكل فأصبحوا لا يبتسمون !!وتذكرت أبناء جلدتها الذين ما أن تطأ أرض مطارهم في مصر ، حتى يبادر الكل للابتسام في وجهك وترديد العبارة الشهيرة "كل سنة وانت طيب يابيه" ، "كل سنة وانتي طيبة يامدام" .. فهي وإن كانت عبارة تزلفيّة واضحة من فصيلة شفاطات العملات ، ولكن تظل الابتسامة موجودة ومزيلة للتوتر ..
وخاطبت "أم أحمد" نفسها قائلة : هو عندهم مصيبة في المطار والا ايه !! مالهم مبوزين كدا ؟؟
أما "حمدي" فحاول استكشاف النفوس وطبائع الناس عندما خاطب رجل الجوازات مبتسماً بتودد : ألاقي فين مكتب سياحي ممكن نأجر منه عربية أو ناخد منه عربية بسواقها عشان يفرجنا على البلد ؟؟
رد رجل الجوازات بأدب ولكن بنفاد صبر ودون حتى أن ينظر إلى "حمدي" : مافي مكاتب سياحة ، لكن اطلع من بوابة الصالة وروح يسار بتلاقي شركات تأجير السيارات .
شكر "حمدي" رجل الجوازات ، وإن أحس في نفسه بحرج واستغراب من هذا الأسلوب الجاف ، ولكنه صبّر نفسه بأن الحال في مصر ليس بأفضل منه في السعودية ! ولكنه بدأ يصدق كلام الرجل السعودي من الطائرة بأنه لا يوجد فعلاً مكاتب سياحية !!!
وبدأت رحلة "حمدي" وعائلته ..

يتبع ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق