الثلاثاء، 16 يونيو 2009

السينما السعودية

طالعتنا الصحف منذ أيام بخبر تجمهر بعض الناس أمام مركز الملك فهد الثقافي بالرياض ، أثناء عرض فيلم "مناحي" ! والتجمهر لم يكن احتفالاً ، بل اعتراضاً على ما أسموه الخطوة الأولى في طريق السينما .. حيث أصرت الفئة المتجمهرة على الدخول بالقوة لتقديم النصح والإرشاد إلى الفئة الضالة في نظرهم ، وهي فئة السينما بالتأكيد !

نقاط عدة وردت في ذهني بمجرد قرائتي لهذا الخبر :
1- منذ متى يكون النصح والإرشاد بالقوة ، والله سبحانه وتعالى نوّه في القرآن بالموعظة الحسنة ؟؟
2- هل يعي هؤلاء المتجمهرون أن في السعودية محلات مرخصة لبيع أفلام الفيديو ؟؟ أين هم عن النصح والإرشاد ولو حتى في وسائل الإعلام عن هذا الموضوع ؟؟
3- محلات بيع أشرطة الأغاني وحفلات الغناء التي تقام سنوياً في جدة وأبها والرياض لم تتعرض لما تعرض له فيلم "مناحي" ! فهل سماجة مناحي وقعها أقوى دينياً واجتماعياً على السعوديين من كلمات الأغاني والحفلات التي تستمر لساعات الصباح الأولى ؟؟ أين المتجمهرون عن ذلك ، خاصة في ظل فتوى الأئمة الأربعة وحتى عند بعض المذاهب الأخرى بمحرومية سماع الأغاني ؟؟ هل نغضّ الطرف عن ما وردت فيه الفتوى ، ونتجمهر ونفسـّـق مالم تصدر فيه فتوى لمجرد أن فئة "لم يعجبها الحال" ؟؟
4- ماهو الضرر الحقيقي من افتتاح دور عرض السينما ؟؟ فالناس الآن يتابعون الأفلام في البيوت وفي دور عرض مصغرة مقولبة في شكل مقاهي ومطاعم (يوجد منها في منطقة البلد في جدة) .. إلى جانب تحميل الأفلام والمسلسلات الأجنبية من النت .. وبعض من أعرفهم ممن يصفون أنفسهم بالملتزمين دينياً يمارسون هذا التحميل من النت (يعني غير ذنب الفرجة على شيء قد يكون غير جائز ، فهم يخالفون حقوق النشر) !! كل هذا يدل على أن التجمهر لم يكن من أجل فكرة السينما بحدّ ذاتها ، وإلا لوجدت كل هؤلاء يقومون بإحراق وإتلاف محلات الفيديو والدشوش .. وهذا يقودنا للاستنتاج الآخر المنطقي ، وهو معاداة فكرة السينما بحجة الاختلاط !! وهذا يقودنا للرقم "5" .
5- الناس الآن مختلطون في الأسواق وخاصة مطاعم الأسواق أو مايسمى بالـ "فوود كورت" والمتنزهات والملاهي والطائرات (حتى السعودية) وحفلات الألعاب النارية وفي مهرجانات الأسواق ، حيث الكل يرسل أطفاله للمشاركة وسط التجمهر الجماعي للنساء والرجال .. إذاً الاختلاط في السينما هو نفسه الاختلاط في هذه الأماكن العامة ، ومن دخل داراً لعرض الأفلام يعرف ذلك .

ولنتحدث عن تجربة الدول العربية في السينما . سافرت لعدة دول عربية بها دور سينما وكان الوضع الطبيعي لأي أسرة تدخل لتشاهد الفيلم أن يجلس رجال الأسرة على طرفين ، حاصرين نساء الأسرة بينهما ، أو العكس ، بحيث يكون الحاصل أن يجلس الرجال أو النساء على الأطراف بجانب رجال مثلهم أو نساء مثلهن .. ولم يكن يحتاج الأمر لمنسق للأمر أو "مضيف" مثل الخطوط السعودية لترتيب الجلوس ! وعند بدء عرض الفيلم لا أحد يتكلم إلا من همسات أوتعليقات على الفيلم والعيون كلها على شاشة العرض ، ولا أحد يتجرأ - وأقولها بثقة - لا أحد يتجرأ على فعل شائن خشية بطش المنسقين (المتواجدين من إدارة السينما بالتأكيد) وخشية بطش الناس أيضاً الذين ستأخذهم الحميّة ضد أي مارق خارق للقوانين و"سيعجنونه" تحت أقدامهم ، فليست الحمية والغيرة مقصورة على السعوديين !

حضرت قبل أسابيع محاضرة في غرفة جدة ، وفي آخر المحاضرة استشهد المحاضر بقصة حقيقية تم تمثيلها في فيلم هوليوودي . وببساطة قام بتشغيل الفيلم الأمريكي على كمبيوتره الشخصي ، ناقلاً الصورة على شاشة عرض كبيرة ! وبالطبع استدعى الأمر أن تطفأ الأضواء إلا من نور خافت .. كنت جالساً في الصف الثاني ، وفي أثناء عرض الفيلم التفتُ خلسة إلى الخلف لأرى ردود فعل الناس ، فإذا الكل "منتبه و متابع" ولا شيء يثير الريبة ، مع أن أكثر الحاضرين في سن الثلاثين فما دون ، والرجال يتقدمون صفوف النساء .. ولكثرة الحضور النسائي اضطر المنسقون لتقسيم القاعة طولياً وليس أفقياً .. بحيث أصبح الرجال والنساء يجلسون على مستوى واحد ، لو لوى أحدهم عنقه لرأى جنساً آخر ! ومع ذلك لم يحدث مايجعلنا نخاف ونهلع من فتح دور السينما !!

لعلّ المتشائمين سيقولون لن ننتظر ليحدث شيء ما لنغلق دور السينما .. فأقول لهم : لن يكون الاختلاط في دور السينما أشدّ منه في الأسواق ، ولن يكون الكلام بين الرجال والنساء في السينما أشد منه بين البائع والزبونة ، فالكل في السينما سكوت !
ولو كان الاعتراض شرعياً من حيث الاختلاط ، فمواقف كثيرة مثل التي ذكرناها آنفاً فيها اختلاط أكبر ! ويكفي حضور كل امرأة مع محرمها لينتهي الأمر .. وللعازبين والعازبات يكفي تخصيص وقت محدد للشباب على حدة وللنساء على حدة كما يحصل في ملاهي الشلال ..

بعد كل هذا التفصيل في الحقائق ، ماهو المانع الحقيقي لبدء افتتاح دور سينما سعودية ؟؟
هل هو مانع شرعي أم مانع اجتماعي ؟؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق