الاثنين، 22 يونيو 2009

حلوة يابلدي (3 والأخيرة)

عند مكتب تأجير السيارات سأل "حمدي" موظف المكتب : ممكن نأجر عربية بسواقها عشان يفرجنا على البلد ؟؟
رد الموظف بآلية : ممكن .
فسأل "حمدي" بحماس : وايه البرامج السياحية اللي عندكم ؟؟
فغر الموظف فاه بدهشة وهو يقول : يعني ايش برامج سياحية ؟؟
رد "حمدي" بحماس لم ينقطع : يعني السواق ياخدنا يفرجنا على المناطق السياحية والآثار والمتاحف ، وكدا يعني !
رفع الموظف أحد حاجبيه متوجساً الحذر من "حمدي" أن يكون هازئاً به ، وقال شارحاً : يا أستاذ أي آثار وأي متاحف بس !! هنا مافي غير مطاعم وأسواق ومولات .. وإذا بتحضر مهرجان طراطيع .. عفواً ألعاب نارية قصدي .. بس !
قال "حمدي" مجادلاً : يعني ايه مفيش آثار ! أنا قرأت كتير عن بلدكو وأكيد فيها آثار !!
رد الموظف بطفش منهياً هذا الجدال الوليد : لو انت تعرف مكان الآثار السواق يوديك ، أما لو ماتعرف مكان ماحيقدر يوديك أي مكان غير الأماكن المعروفة زي الأسواق وغيرها!!
وقبل أن يستمر "حمدي" في الكلام قال الموظف بسرعة : تحب سيارة كبيرة ولا صغيرة ؟؟؟
وفهم "حمدي" التصريفة بأن الموظف لا يريد مزيداً من الكلام الكثير الذي لا يسمن ولا يغني من جوع ! ولم يسأل حتى عن أي منشورات سياحية حتى لا يرميه الرجل بالدباسة الكبيرة على المكتب !

***

قرر "حمدي" أن يستقل وعائلته ليموزيناً لأقرب فندق محترم ، وبعدها يقرر وسيلة التنقل المثلى .
وفي استقبال أحد الفنادق الشهيرة بمدينة جدة ، تفاجأ "حمدي" بأسعار الغرف اليومية الذي يجاوز في بعض حالاته أسعار إقامة لمدة يومي نهاية الأسبوع في شرم الشيخ ! فأرجع ذلك بأنه موسم سياحة ، وإن لم يكن الفندق مزدحماً فعلاً بالسياح !
وبعد عشاء فاخر في أحد المطاعم الراقية على كورنيش جدة ، كان الجميع مرهقون من يوم حافل بالسفر والمفاجآت الغريبة التي لم يكونوا يتوقعونها ، من أسلوب الناس الجاف في التعامل وإن كانوا فعلاً خدومين ، إلى جانب الأسعار المرتفعة غير المبررة للفنادق والليموزينات ورسوم دخول المنتزهات والملاهي ، والوضع الغريب بوجود يوم للعوائل ويوم للشباب في بعض الأماكن والذي منعهم من دخول مدينة ملاهي لأنه كان يوماً مخصصاً للشباب ، فلم تكن لتفترق العائلة ليدخل "أحمد" وحده للملاهي ! إلى جانب ذاك الرجل الذي تعرض لـ "أحمد" بخشونة متهماً إياه بمعاكسة ابنته التي لم يظهر منها سوى كفيها وعينيها من خلف عباءة سوداء !
والحقيقة أن "أحمد" كان ينظر إلى الفتاة باستغراب وليس بإعجاب ، فهو لم يألف بعد أن تكون كل النساء متشحات بالسواد ولم يعرف السبب الحقيقي لذلك لثقافته الدينية والاجتماعية المتدنية .. ولكنه نال عقاب تلك النظرة بتوبيخ شديد من والد الفتاة جعله يتعلم أول درس سياحي في السعودية : لا تطالع وإلا فقعنا عينك !!

***

طال انتظار "حمدي" وعائلته على كورنيش جدة على أمل أن يجدوا ليموزيناً في هذا الوقت المتأخر من الليل ليقلـّـهم إلى الفندق . كان الزحام على الكورنيش شديداً وحركة المرور تكاد تكون متوقفة ، والجو السيء ضاعف من توتر الجميع !
ومن بعيد شاهد الجميع ذاك الليموزين المنقذ وهو يتجه إليهم ، ومن فرط تعبهم وتوترهم قفز الجميع من الرصيف إلى الشارع دون اتفاق مسبق ليوقفوا الليموزين !
واستغل سائق الليموزين وجهة "حمدي" وعائلته البعيدة نسبياً ، وطلب سعراً مهولاً كأجرة توصيل متحججاً بالزحام الشديد والوقت المتأخر ومنوّهاً بأنه لا يوجد ليموزينات حالياً !! حاول "حمدي" أن يصل لاتفاق مع السائق بأن ينقده أجره بناءً على عداد السيارة .. فاستغرب السائق هذا الاقتراح وأكد له بأن العداد لا يعمل ولا يستخدمه أحد أساساً !!
وهنا .. تكالبت كل الأمور على "حمدي" ، وتجمع تعبه وتوتره وعصبيته وحرارة الجو في قنبلة متوسطة الحجم ، فنزع فتيلها وانفجر في السائق قائلاً :
انت حتوصلني غصب عنك على حسب العداد ، وإلا حنادي لك بوليس السياحة يتفاهم معاك في السعر !!
اغتاظ الرجل من أسلوب "حمدي" الثائر ، ولكنه تمالك نفسه قائلاً بضحكة عصبية :
أي بوليس سياحة وأي أسعار !! احنا ما عندنا مراقبة أسعار ولا بوليس سياحة ولا عندنا سياحة أصلاً عشان يكون عندنا بوليس لها !! انت ايش اللي جابك من بلدك ياملقوف ؟؟ مسوي جاي تتمشى عندنا يعني ؟؟ أنا أصلاً ما اشتغلت في هذا الوقت من الليل إلا قاعد أجمع فلوس أسافر بها مصر ، وانت جايني هنا تتمشى ؟؟
ثم ضحك ضحكة مستفزة وهو يكمل :
روح بلغ بوليس السياحة بإن اسمي (....) وسيارتي (....) وإني ما أبغى أوصلك إلا بألفين ريال ..
ثم قذف ضحكة شامتة في أذني "حمدي" لم ينسها في اليوم التالي وهو في طائرة العودة إلى مصر مع عائلته .. وكان أكثر مايشغل تفكيره سؤال واحد : يا ترى ايه معنى كلمة ملقوف ؟؟

هناك تعليقان (2):

  1. السلام عليكم....

    والله حزنت على العائلة مساكين ...
    ما لحقوا يستانسون بالسعودية
    يومين بس !!!
    يافرحة ما تمت ...

    نفسي أشوف بلدنا متطور ... وأهم من البلد تطور كل الناس فكريا وعقليا..

    تصدق ما عمري شفت مكتب سياحي الا مررره وحده ..كان علي طريق الهدا وانت نازل للطائف ... يمكن تذكرون شكله
    مبنى علي شكل قبه أبيض اللون ذو زجاج متحطم..وهذا بالطبع من زحام السواح
    للأسف ..( بالداخل أتوقع تسمع صدآ صوتك)

    زرت مكتب سياحي بفرنسا
    تخيل المكتب فيه 6 موظفات ( كلهم شيون )
    وكل موظفة تحمل على صدرها شارة عليها أعلام للغات اللتي تتحدث بها ...
    طبعا أنا من لقافتي ومن حرصي على لغة الضاد .. قلت لهم ليش مافيه حد يتكلم بالعربي !! بلهجة استنكارية استهجانية
    وأن لغتنا عدد سكانها( يعني يتكلم بها ) أكثر من 400 مليون نسمة
    ردت علي بابتسامه ... اكتب لنا معروض اقترح فيه طلبك..

    قلت حتى هنا معاريض ... المهم طلعت من عندهم شايل كيلو أوراق لمعالم سياحية وخرائط لمنطقة لايتجاوز قطرها 60كلم

    ختاما
    تحية تشجيعية لكل سواق تاكسي يكد عشان يجمع للسفر.. وأقول له بيجيك يوم سواق تاكسي يطلع عينك

    تحية لكل معلم وأثر سياحي في بلدنا وأقول له اصبر وبيوم راح يجي من يشوفك

    تحية لأبو أحمد وعائلته على انتظارهم للتاكسي بالكورنيش

    تحية ل حبيب ألبي أبو الهشاهيش
    وأقول من غيرك ما نئدرش نعيش

    أبدعت فيما سطرت ... للأمام والله يوفقك

    أخوك شاكر

    ردحذف
  2. آآآمييييين يارب ..

    وعلى طاري الموظفات اللي يتكلمون عدة لغات ..
    هذولي ياخذون رواتب مهولة ، وبعض المحترفين ياخذون رواتبهم بالساعة ، في الوقت اللي المتكلمين باللغات هنا مو لاقيين غير وظايف مدرسين ، أو تلاقيهم في القناة السعودية الثانية يقدمون نشرة الأخبار !!
    وفي كل دولة تسافر لها تلاقي سواقين التكاسي يتكلموا ولو شوية انجليزي ، إلا هنا !!

    وعودة لموضوع الآثار .. في الوقت اللي عندنا في السعودية آلاف المواقع الأثرية (وكلمة آلاف ليست تضخيم وإنما حقيقة) ولا أحد يهتم بها ، تجد في الدول الأوروبية دول تحاول أن تخترع لنفسها تاريخ وآثار وتقيم متاحف ومزارات لو لقيت شعرة أو حتى (قشة) تاريخية ..
    واحنا مازلنا على قولك ننقز الشبك عشان ندخل مسجد عداس ، هذا إن مريت من جنبه وعرفت إنه مسجد عداس أصلاً! يعني لا لوحات تعريفية ولا تحذيرية وياقلب لا تحزن!!

    متشكرين على مداخلاتك الطعمة يادكتور ..
    وبالتوفيق إن شاءالله ..

    ردحذف