الخميس، 11 يونيو 2009

يوم في حياتي (الأخيرة)

خرجت من المستشفى لأوقف أحد التكاسي ليقلــّـني للبنك ..
ودون أن أروي لكم كلام السائق الآسيوي ، يكفي أن أخبركم أنها نسخة آسيوية شرقية من كلام السائق العربي الأفريقي !
وعند توقفي أمام البنك وجـّـهت للسائق سؤالاً أخيراً : انت كم لك تشتغل في السعودية ؟؟؟ أجابني : 25 سنة !!رددتُ عليه مداعباً : ياراجل !! انت سعودي أكثر مني هههههه ..التفت إليّ سائلاً : انت سـِـنو جنسية ؟؟ أجبته ببساطة : سعودي !!التفت الرجل إليّ بذعر شديد وهو يلقي على مسامعي سيلاً من كلمات الأسف والاعتذارات .. لم أرد عليه وقابلت سيل كلماته بابتسامة بسيطة ، وتوجهت للبنك !!
***
في البنك تم إلغاء خاصية الأرقام ونظرية الطوابير من أجل سواد عيوني .. لا ، لا ... لحظة .... بل من أجل أنني على عكازين ..
رأف الكل بحالي وقدموني على أدوارهم ، ولم يكن موظفو البنك بحاجة لسماح الناس لي بالتقدم عليهم من عدمه .. حيث بدأوا بخدمتي فعلياً دون الالتفات لزحام الناس .. ولأكون صريحاً فقد شعرت بـ "قليل" من الحزن على الناس لأنني تخطيت أدوارهم ، وبـ "كثير" من الراحة لأنني لن أقف منتظراً دوري كثيراً في ظل حالتي الصحية الراهنة ..ولكنني فكرت جدياً في الاحتفاظ بالعكازين في سيارتي المستقبلية للطوارئ ، بعد أن يشفيني الله عز وجل .. فلا تدري متى يصادفك زحامٌ ما ، ولعلك تستطيع أن تستجدي عواطف الناس بعكازين اثنين ولحية مبعثرة فيقدمونك على أدوارهم !
***
انتهيت من عدة مشاوير ، ووقفت في الشارع منتظراً آخر تاكسي سأراه اليوم ليقلــّـني إلى بيتي ..ولدهشتي ، وفي نفس لحظة وقوفي على الرصيف ، توقف آخر شخص كنت أتوقع رؤيته من جديد .. سائق التاكسي ذو النسخة الآسيوية من حديث الأفريقي !! صدفة عجيبة أعادت لي جشوني في دراسة مادة الإحصاء والاحتمالات ..بمجرد أن رآني توقف دون حتى أشير إليه ، ورمى بسيجارته في الشارع احتراماً لي ، أو هكذا خــُيــّل إليّ .. لكنه بعد أن ركبت السيارة ، أكـّد لي أنه تخلص من السيجارة احتراماً لي واعتذر سلفاً إن كانت سحائب سيجارته ضايقتني !!! قلت لنفسي : أصحابي عيال اللذينا حتى لو طلبتهم يطفوا السيجارة ماطفوها !!واسترسل السائق في اعتذاره السابق يكمله ، لأؤكد له أن من حقه التعبير عن وجهة نظره .. فأخبرني بتفاصيل مدهشة ..وذلك أنه بعد أن أوصلني أحس بذنب فظيع جرّاء ما أسمعني إياه من كلام عن أبناء وبنات جلدتي ، لدرجة أنه قرّر أنه لن يكمل عمله اليوم ، وسيذهب للبيت للنوم .. ولكنه لم يستطع النوم .. وحين أحس ببعض التحسن من نفسه (أو بقيمة إيجار التاكسي اليومي الذي لم يدفعه في ظني) قرّر النزول وإكمال يومه بالعمل .. وكنت أول زبون يقابله !!أخبرني أيضاً أنه طوال فترة وجوده في المنزل لم يستطع أن يمنع نفسه من أن يفكر فيّ كـ "ملاك" لم يكن يتوقع وجوده في السعودية ، وأنني صدمته بأخلاقي العالية وبقدرتي على "الصبر والتحمل" بعدم ردي عليه في المرة الأولى .. ولم يدر المسكين أنني كنت أخاف أن أرد عليه حتى لا يختطفني ويذبحني وأنا عاجز ذو عكازين (أمزح ، لا أحد يصدق) ..وحين وصلت للبيت رفض السائق أن يأخذ أجرته سوى بعد إصرار مني ، لكنه رفض أن يحدد المبلغ راضياً بأن يأخذ مني أي شيء .. وكرّر على مسامعي بعد أن نزلت وقبل أن أغلق الباب : "انت ملاك" !
وكل مادار في خـَـلــَـدي وقتها : هذا قاعد يغازل ولا ايش !!!
وتذكرت وقتها تأثير "الإنصات" (وليس الاستماع) على نفسيات الناس إيجابياً ..
فسألت نفسي منهياً هذا اليوم الطويل : لو كان هذا هو تأثير الإنصات على الرجال ، فكيف بالنساء !!!

هناك تعليقان (2):

  1. والله لحاولت ان امنع نفسي من الرد على هذا الموضوع

    عشان لا اكون ماسخ او سامج لكن والله ما قدرت امنع

    نفسي خصوصا في اخر سطر قريته في الخاتمة ومجمل

    مفهومه"الانصات للنساء"

    والله من جد يا هشام انت حطيت يدك على جرح خطير

    يا اخي انا استعجب من عاداتنا الغبية تجاه المرأة

    من قمع و ممنوع تتكلم و لازم تتحمل اي شئ يجيها شئ

    غريب ويقولون في النهاية ليش يصير عندنا .....بخفف

    من الكلمة (بنات الهوي) اللي هم يكلمون الشباب

    والتى ما اتجهت له الا لانها تعاني من نقص عاطفي وعدم

    اهتمام بها وهذا اللي جعلها لقمه سائغة لهذا الشاب

    والله ياخي هذة مشكلة ترى لازم كل شخص ينتبه للنقطة

    ذي وانا واحد من الناس مريت بتجربة مع ضيف لاحد

    زملائي في الشرقية ما ادري وش السالفة لكن الرجال

    كان يقول "..... واخذت الحرمة وانتم بكرامه.... "

    انا تفاجأت بكرامه ليه هي وسخاه ولا ايه انصدمت من

    كلمته واستحقرت الرجل لكلمة وانتم بكرامه ؟؟؟

    للدرجة ذي المرأة في مجتمعنا لا قيمة لها انت لابد قبل

    ما تقول يا هشام انصتوا للمراة ان تقول احترموا

    المرأة وتشوفون كيف بناتنا يرفعون الراس ولا تلقاهم

    في الفيس بوك ولا غيره واشكرك يا هشام على اسلوبك

    الرائع انت دسيت السم في العسل او كنت استمتع

    بطرافة القصة و انت في سطرين حولت المغزى الى ما هو

    اهم وانبل والله ما اجامل لكن اليوم ابدعت ابدعت

    ابدعت وودي انك جنبي واطيح فيك تبويس على هذا الجمال

    و المعني الحقيقي اللي اردت ان توصله لي ولكل من يزور

    مدونتك

    اخوك / نايف الزهراني

    ردحذف
  2. انت كنت مستمتع بطرافة القصة وبعدين شفت المغزى .. وأنا شفت المغزى من ردك ، وبعدين يوم قلت "أطيح فيك تبويس" شفت الطرافة ..
    لاتكون من طرف سواق التاكسي بس !!! :)

    مثل ما ذكرت يا نايف الموضوع كبير ومحتاج كل واحد ينتبه على بنته وأخته وزوجته ويعطيها الحنان والرعاية والاهتمام والاحترام اللي يغنيها عن البحث خارج نطاق أسرتها عن البديل ..
    وموضوع الإنصات للنساء هو الخطوة الأولى نحو احترامهنّ .. لأن كل واحد إذا أنصت للمرأة وفهم احتياجاتها كأنثى ، ماحيكون باقي غير يعطيها اللي هي تبيه ..
    والله من وراء القصد

    على فكرة
    منت سامج ولا ماسخ بردودك ، بالعكس ..
    أنا أنتظر تعليقك على المقالات دائماً ، ويهمني رأي الناس الواعية المثقفة اللي مثلك (شكلي أنا اللي بطيح فيك تبويس)

    ردحذف