السبت، 27 يونيو 2009

احنا حفظنا .. وهو فهم !

علي الشهري ..
شاب عشريني من منطقة عسير ، وافته المنية في حادث مروري وهو في طريق عودته من جدة إلى عسير بعد إجراء عدة فحوصات طبية ..
وسبب وجوده في جدة ابتداءً وإجراءه هذه الفحوصات ، هو نيته بالتبرع بكليته لشخص لم يلتق به في حياته !
ولا تنتهي القصة هنا .. بل تستمر المروءة والشهامة والكرم والإيثار وحب الخير في "علي" حتى وهو ميت ! حيث وجدوا في جيبه وصيته التي يلح فيها على ورثته المعارضين بأن يهبوا كليته لوجه الله لـ "فايز الأثلي" !!

في ظل وطأة المادية التي تعتري مجتمعنا الأصيل المعطاء ، أصبحنا نقف مشدوهين فاغري أفواهنا أمام قصص مماثلة ، وكأننا ماعرفنا الكرم ولا الإيثار يوماً !
أصبحت قصص من هذا النوع تثير مخيلاتنا وعواطفنا وكأنها قصص من ألف ليلة وليلة ..
وأصبح بعضنا يصف هذه الفئة بالأغبياء ، لأن هذا ليس زمن الطيبة والعطاء ، بل زمن الأخذ ، وإن كنت ستعطي فلتعطي الآخرين على "مؤخراتهم" أو أقفيتهم !!
صعدت هذه الأفعال والتصرفات بأصحابها إلى مصاف الأساطير والخياليين ، ونحن ملوك الكرم والعطاء ، والتاريخ الأدبي والشعري (القديم والحديث ، الفصيح والنبطي) يشهد بجودنا وكرمنا !! (يمكن كلام شعر بس ، مو حقيقة)

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن قامت الساعة و في يد أحدكم فسيلة ، فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها" السلسلة الصحيحة/9 .
وحين نقرأ وصية "علي" ندرك مدى فهم "علي" للحديث الذي كررناه مراراً وتكراراً ونحن صغار في الإبتدائية ، في الوقت الذي لم نتجاوز فيه مستوى حفظ الحديث !
الحديث يحثنا على فعل الخير وفعل ماينفع الناس ولو كانت في آخر ثواني العالم .. ونحن نتأفف من إعطاء ريال لطفل عند إشارة بحجة أنهم عصابات ، ونسينا أن الفسيلة لو زرعناها قد يأكلها عصابات !!
بمعنى : المفترض أن نفعل الخير ونرجو الثواب من الله ولا نبحث عنه بعد ذلك ، وليس أن نتحرى خط سير ريالنا "المشقشق" ونحكم على آخذه من شكوكنا فيه !

أعجب من "علي" وأعجب من كل من يتلف ملكية عامة أو خاصة بإهماله أو سوء استخدامه أو "استخساراً" أو بناء على قاعدة "شي مو لك جرّ أم أمه ع الشوك" وكأن الدنيا لن تزول وكأنه هو لن يزول !!!!

لله درك يا "علي" .. رحمك الله وأثابك فسيح فردوسه الأعلى ..
لن أعزي والديك بقدر ما سأهنئهم بحسن ترتبيتهم .. وشاب مثلك لا يـُـبكى عليه بقدر مايفتخر به حياً وميتاً ..
طبت يا "علي" .. طبت حياً وميتاً ..
اللهم اغفر له و ارحمه ، وعافه و اعف عنه ..
و أكرم نزله ، و وسّع مدخله ..
ونقـّـه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس ..
و اغسله من خطاياه بالماء والثلج والبرد ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق